مقدمة:
يعرض هذا التقرير حصيلة عمليات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، التي وثقتها رابطة “تآزر” للضحايا خلال عام 2022، على يد القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض، في منطقة “نبع السلام” التي تحتلها تركيا منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019.
شهدت مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض خلال عام 2022، اعتقال ما لا يقل عن 228 شخصاً، بينهم 11 امرأة و15 طفل/ة، بشكلٍ تعسفي على يد القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض التي تدعمها “أنقرة”.
كان ضحايا الاعتقال التعسفي من مختلف مكونات المنطقة، منهم كُردٌ وعرب، وقد تمَّ إطلاق سراح 98 شخصاً فقط من عموم المحتجزين/ات، وما يزال مصير 130 شخصاً، بينهم 7 نساء وطفلين مجهولاً.
تشير الإفادات التي جمعتها “تآزر” إلى أن غالبية عمليات الاحتجاز والحرمان من الحرية في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، كانت بدافع الابتزاز وتحصيل فدية مالية من عائلات الضحايا، بينما احتُجز آخرون بغرض ترهيبهم ودفعهم إلى مغادرة المنطقة للاستيلاء على ممتلكاتهم.
وتنوعت التهم التي تمّ توجيهها للمعتقلين/ات، كالتعامل مع “الإدارة الذاتية” أو العمل لدى إحدى مؤسساتها سابقاً، أو محاولة العبور إلى تركيا بطريقة غير شرعية، أو الإساءة لسمعة “الجيش الوطني السوري” وانتقاده، كحال “خالد ضيف”، وهو صاحب محل تجاري في رأس العين/سري كانيه، تعرض للاعتقال بتاريخ 1 تموز/يوليو 2022، أثناء مشاركته في تظاهرة احتجاجية في بلدة “تل حلف” غربي المدينة، تنديداً بتردي الأوضاع الأمنية والمعيشية في منطقة “نبع السلام”، حيث اعتقلته دورية تابعة لقوات “الشرطة المدنية” بشكل تعسفي، قبل أن تُفرج عنه في اليوم التالي، بعد توقيعه على وثيقة تعهد بعدم المشاركة في احتجاجات منددة بــــــــ “الجيش الوطني السوري”.
وقال غالبية المحتجزين المُفرج عنهم/ن لـ “تآزر”، إنهم/ن تعرضوا لسوء المعاملة والتعذيب، وحرموا مراراً من الطعام والماء، في السجون التي تديرها فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض.
وفي معظم حالات الاعتقال التي وثقتها “تآزر”، احتُجز المدنيون في سجون الشرطة العسكرية أو المدنية في مدينتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، وسجن بلدة “مبروكة” غربي رأس العين/سري كانيه، وسجن بلدة “سلوك”، أو سجون أخرى تتبع للفصائل التي قامت بعمليات الاعتقال، في ظل ظروف احتجاز سيئة، كما اقتيد آخرون إلى أماكن احتجاز مجهولة.
وقال أحد المدنيين المُفرج عنهم/ن لـ “تآزر”، إن تجمع “أحرار الشرقية” ابتز عائلته، وأجبرها على دفع مبلغ 23,000 دولار أمريكي مقابل الافراج عنه، منتصف آب/أغسطس 2022، ذلك بعد اعتقاله، مطلع الشهر ذاته، على الطريق الواصل بين مدينتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، واحتجازه أحد عشر يوماً في سجن ببلدة سلوك التابعة لمدينة تل أبيض، في ظل ظروف احتجاز، وصفها الشاهد بالسيئة.
وبلغ عدد حالات الاعتقال التي وثقتها رابطة “تآزر” للضحايا، منذ احتلال رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019 وحتى نهاية العام 2022، ما لا يقل عن 521 حالة اعتقال، بينهم 72 امرأة و45 طفل، من قبل القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها “أنقرة”.
وبحسب توثيقات “تآزر” فأن أكثر من 189 شخصاً من المعتقلين تمَّ إخفائهم قسراً، حيث لا تزال عائلاتهم لا تعلم شيئاً حول مصيرهم، في حين تعرض 328 شخصاً للتعذيب في السجون التي تديرها المعارضة السورية، بينهم خمسة معتقلين على الأقل قضوا تحت التعذيب.
وأكدت “تآزر” تورط تركيا في جريمة إخفاء مواطنين من شمال شرق سوريا، ونقلهم إلى أراضيها، حيث تمَّ توثيق نقل ما لا يقل عن 93 محتجزاً سورياً إلى داخل الأراضي التركية، خلال وعقب عملية “نبع السلام”. حُوكم 52 شخصاً منهم بأحكام تعسفية تتراوح بين السجن 13 عاماً وحتى السجن المؤبد.
للاحتجاز تأثير متعدد الأوجه على الرجال والنساء والأطفال، ويشمل ضروباً من الأذى الجسدي والنفسي على حد سواء، إذ وصف معظم المحتجزين السابقين معاناتهم من آلام جسدية مزمنة ناجمة عن التعذيب الذي تعرضوا له والحبس والظروف غير الصحية داخل مرافق الاحتجاز، فضلاً عن معاناتهم من صداع واضطرابات لاحقة للصدمة.
ولا تزال عشرات أسر المختفين قسراً لدى “الجيش الوطني السوري” في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، منذ احتلالها نتيجة عملية “نبع السلام” في تشرين الأول/أكتوبر 2019، تعاني من شعور عام بالضيق والحيرة، إذ لم تُوفر لها الحماية القانونية، وتُركت لتتدبّر أمورها بنفسها، وقد عملت الكثير من الأسر بلا كلل للحصول على معلومات عن ذويها المفقودين، ولكن من دون نجاح يُذكر.
وكانت “تآزر” قد وثقت خلال عام 2021، اعتقال ما لا يقل عن 185 شخصاً، بينهم 12 طفل/ة و24 امرأة، ومقتل شخصين على الأقل تحت التعذيب في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، على يد القوات التركية وفصائل من “الجيش الوطني السوري” المُعارض.
المسؤولية القانونية:
انتهك “الجيش الوطني السوري” حقوق المحتجزين وفقاً للالتزامات القانونية الدولية، فقد اعتقلت فصائله المختلفة الأفراد واحتجزتهم تعسفاً، فضلاً عن ممارسة المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على المحتجزين والمختفين قسراً وعائلاتهم/ن، بوسائل منها تعمد إخفاء مصير هؤلاء الأشخاص وأماكن وجودهم، في انتهاك للقانون الدولي الإنساني والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان[1]، كما أن الاستبعاد الفعلي لهؤلاء الأشخاص من دائرة حماية القانون، إن وجدت هذه الحماية أساساً، والامتناع عن تحديد مصير هؤلاء الأشخاص يشكل أيضاً انتهاكاً للحق في الحياة.[2]
وفي ضوء الاستخدام الموثق المستمر للتعذيب ضد المحتجزين، وامتناع قيادة الفصائل والحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف السوري المُعارض عن اتخاذ خطوات فعالة لمنع مثل هذه الممارسات، توجد أسباب معقولة للاعتقاد أن “الجيش الوطني” قد يمارس مثل هذا السلوك عملاً بسياسة تنظيمية. ولذلك، قد يكون هذا السلوك جزءاً من هجوم منهجي على المحتجزين في عهدتها، يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية هي جريمة التعذيب.
لم يقم “الجيش الوطني السوري” بالتحقيق في ممارسات قواته، التي تستمر في اعتقال المدنيين، وإخفائهم قسراً، وانتهاك حقوقهم، كما لم تفعل الحكومة التركية، التي تمارس السلطة والقيادة الفعلية على تلك القوات، ما يكفي لتغيير سلوكها التعسفي، بل يتضح في بعض الحالات أنها كانت شريكة في ارتكاب تلك الانتهاكات.
لذا فأن الانتهاكات التي ترتكبها فصائل “الجيش الوطني السوري” قد تنطوي على مسؤولية جنائية للقادة العسكريين الأتراك الذين كانوا على علم بالجرائم أو كان ينبغي أن يكونوا على علم بها، أو لم يتخذوا جميع التدابير اللازمة والمعقولة لمنع أو قمع ارتكابها.[3]
في جميع الأحوال، وبصفتها قوة احتلال، على السلطات التركية ضمان عدم قيام مسؤوليها ومن تحت قيادتهم في “الجيش الوطني السوري” باحتجاز أي شخص تعسفياً أو إساءة معاملته، كما أنها ملزمة بالتحقيق في الانتهاكات المزعومة وضمان معاقبة المسؤولين عنها بالشكل المناسب.
الاعتقال التعسفي كنهج لكسب المال:
مع بسط فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض سيطرتها على منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، منذ احتلالها من قبل تركيا في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2019، صارت ممارسة الاعتقال التعسفي والاحتجاز واسعة الانتشار، إلى جانب ممارسات أخرى، مثل المصادرة المنهجية لممتلكات الضحايا، والابتزاز والضرب.
رغم أن الانتهاكات المختلفة التي ارتكبتها فصائل “الجيش الوطني السوري” في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، منذ احتلالها، حملت طابعاً عنصرياً وتمييزياً، ولا سيما بحق الكُرد والأيزيديين، ارتُكبت انتهاكات أخرى، كالاعتقال التعسفي والاخفاء القسري والاستيلاء على الممتلكات وغيرها، بدافع كسب المال، ولم تفرق بين الضحايا على أساس الانتماء أو الدين أو الأصل القومي أو الأثني، حيث كان الضحايا من مختلف مكونات المنطقة، عرباً وكُرد، مسلمين وايزيديين ومسيحيين، وأرمن وسريان وشيشان.
كانت عائلات غالبية ضحايا الاعتقال التعسفي، ممن تمّ الإفراج عنهم، تضطر لدفع فدية مالية مقابل ذلك، فعند اتصال أُسر المحتجزين/ات بمقاتلي فصائل “الجيش الوطني السوري” للسؤال عن مكان أحبائهم، كان الرد في معظم الأحيان بعدم إعطائهم أي معلومات وتهديدهم وابتزازهم لحين موافقتهم على دفع الفدية المالية.
طالبو اللجوء السوريون ضحايا القوات التركية و “الجيش الوطني السوري” على حد سواء:
قُتل ثلاثة مدنيين من طالبي اللجوء السوريون وأصيب آخرون، خلال عام 2022، نتيجة إطلاق النار بشكل مباشر عليهم من قبل قوات حرس الحدود التركية (الجندرما)، فيما تعرض أكثر من 113 آخرون، بينهم 7 نساء و3 أطفال للاعتقال من قبل فصائل “الجيش الوطني السوري”، أثناء محاولتهم عبور الحدود إلى تركيا بطريقة غير شرعية، في المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض.
ساهمت “أخبار كاذبة/شائعات” في زيادة عدد طالبي اللجوء الذين حاولوا الدخول إلى تركيا من منطقة رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، لكنهم أصبحوا ضحايا لاحقاً، أما نتيجة تعرضهم للاعتقال من قبل “الجيش الوطني السوري”، بسبب التوجه إلى الحدود أو محاولة قطعها طلباً للجوء، أو للاستهداف بإطلاق الرصاص الحي من قبل “الجندرما” بقصد القتل، من أجل منعهم من ذلك.
تؤكد الشهادات والمعلومات التي تحققت منها “تآزر” أن عناصر وقادة فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض، هم من يديرون عمليات الإتجار بالأشخاص وتهريبهم بطريقة غير شرعية إلى تركيا، مقابل الحصول على المال، حيث وثقت الرابطة في تقرير لها، نُشر بتاريخ 20 آب/أغسطس 2022، نشوب ما لا يقل عن تسع حالات اقتتال/اشتباك داخلي بين تلك الفصائل في رأس العين/سري كانيه وريفها، خلال النصف الأول من عام 2022، بسبب خلافات حول تقاسم واردات تهريب البشر إلى تركيا.
حصيلة حالات الاعتقال التعسفي في “نبع السلام”:
وفقاً لما تمكنت “تآزر” من توثيقه، كان شهر أيار/مايو الأكثر تسجيلاً لحالات الاعتقال والاختفاء القسري، حيث تمّ توثيق 42 حالة اعتقال، تلاه شهر آذار/مارس بواقع 36 حالة اعتقال، فيما كان تشرين الثاني/نوفمبر أقل الأشهر التي شهدت حالات اعتقال في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، حيث تمّ تسجيل حالة اعتقال تعسفي واحدة على الأقل في ذاك الشهر.
وشهد الربع الثاني من عام 2022، أكبر عدد من حالات الاعتقال التعسفي في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، حيث تمّ توثيق اعتقال 92 شخصاً، تلاه الربع الأول بواقع 67 حالة اعتقال، ثم الربع الثالث بواقع 62 حالة، وأخيراً الربع الرابع، الذي شهد 7 حالات اعتقال فقط.
وكانت قوات “الشرطة العسكرية” مسؤولة عن أكثر حالات الاعتقال في منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض خلال عام 2022، عبر تورطها بتنفيذ 126 حالة اعتقال، من مجمل الحالات التي وثقتها “تآزر”، تلتها قوات الشرطة المدنية بـ 73 حالة اعتقال، وتجمع “أحرار الشرقية” بتنفيذ 12 حالة اعتقال، ثم قوات الشرطة والاستخبارات التركية عبر مشاركتها بتنفيذ 5 حالات اعتقال على الأقل، فيما كانت فصائل أخرى تابعة لـ “الجيش الوطني السوري” مسؤولة عن حالات الاعتقال الأخرى، إذ لم تتمكن “تآزر” من تحديد هوية تلك الفصائل بشكل دقيق.
ويبين الجدول الآتي حيثيات حالات الاعتقال التعسفي في منطقة رأس العين/سري كانيه وتل أبيض خلال عام 2022، وفق ما وثقته رابطة “تآزر” للضحايا:
الشهر | العدد الكلي للاعتقالات | رجال | نساء | أطفال | المُفرج عنهم/ن | لازالوا محتجزين |
كانون الثاني | 15 | 14 | 0 | 1 | 6 | 9 |
شباط | 16 | 14 | 2 | 0 | 4 | 12 |
آذار | 36 | 32 | 1 | 3 | 11 | 25 |
نيسان | 22 | 21 | 0 | 1 | 5 | 17 |
أيار | 42 | 38 | 2 | 2 | 12 | 30 |
حزيران | 28 | 26 | 1 | 1 | 12 | 16 |
تموز | 30 | 29 | 0 | 1 | 21 | 9 |
آب | 13 | 10 | 2 | 1 | 6 | 7 |
أيلول | 19 | 13 | 1 | 5 | 15 | 4 |
تشرين الأول | 3 | 2 | 1 | 0 | 3 | 0 |
تشرين الثاني | 1 | 0 | 1 | 0 | 1 | 0 |
كانون الأول | 3 | 3 | 0 | 0 | 2 | 1 |
المجموع | 228 | 202 | 11 | 15 | 98 | 130 |
اعتمدت “تآزر” في توثيقاتها التي جمعتها في قاعدة البيانات الخاصة بها على شبكة باحثيها المنتشرين في المنطقة، والمعلومات التي حصلت عليها من مصادر أهلية وشهود عيان، فضلاً عن التحقق من معلومات المصادر المتاحة للعموم (المصادر المفتوحة).
وتُنوّه رابطة “تآزر” للضحايا، أن الانتهاكات التي ترتكبها تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، هي أكثر بكثير مما يتم توثيقها والتحقق منها بالاسم والكنية ومكان الاعتقال والتاريخ على سبيل المثال، إذ تعتقد الرابطة أنّ العدد الفعلي لحالات الاعتقال هو أعلى بكثير من الرقم الوارد في هذه الإحصائية.
إطلاح سراح المحتجزين مقابل فدى مالية:
قابلت “تآزر” أسر المحتجزين/ات وكذلك الناجين/ات من الاعتقال، خلال عام 2022، ووثقت قصصهم/ن وشهاداتهم/ن، إذ ندرك حجم مسؤوليتنا تجاه الضحايا، وتعتمد استراتيجية “تآزر” نهجاً يُركز على تجارب ووجهات نظر وأولويات الضحايا والناجين/ات، كجزء أساسي من عملنا اليومي، إلى جانب البحث عن وجهات نظر متعددة لتطوير فهم معمق وتحليلي للأحداث، والالتزام بأعلى درجات الدقة والنزاهة.
كانت دوافع اعتقال غالبية المحتجزين/ات في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض هي الرغبة في ابتزاز عائلاتهم/ن وطلب فدى مالية مقابل الإفراج عنهم.
قال أحد المدنيين المُفرج عنهم لـ “تآزر” إنَّ تجمع “أحرار الشرقية” التابع للجيش الوطني السوري المُعارض ابتز عائلته وأجبرها على دفع مبلغ 23 ألف دولار أمريكي، مقابل الإفراج عنه، بعد اعتقاله أثناء عودته من عمله بالقرب من بلدة “سلوك” في ريف مدينة تل أبيض.[4]
وسرد الشاهد تفاصيل عملية اعتقاله لـ “تآزر” قائلاً:
“تعرضت للاعتقال بتاريخ 3 آب/أغسطس 2022، على الطريق الواصل بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، حيث أوقفت مجموعة مسلحة لتجمع أحرار الشرقية، سيارة النقل العامة التي كنا نستقلها، على أحد حواجزها العسكرية، وقامت باعتقالي مع شبان آخرين، بعد تقييد أيدينا وتعصيب أعيننا، فضلاً عن توجيه الشتائم وعبارات مهينة إلينا طوال الطريق إلى مركز الاحتجاز، دون أن نعلم سبب اعتقالنا”.
نُقل الشاهد إلى سجن يديره فصيل “أحرار الشرقية” في بلدة “سلوك”، وبقي محتجزاً أحد عشر يوماً في ظل ظروف احتجاز، قال حولها الآتي:
“طوال فترة الاحتجاز، لم يتم التحقيق معي مطلقاً، وبقيت يداي مُقيدتان بالأغلال (الكلبشات)، التي جرحت معصمي، وعانيت إثر ذلك من ألم فظيع، ورغم ذلك لم يحرروا القيود أو يجلبوا لي الدواء رغم طلبي وإلحاحي، وقد طلبوا مني رقم أحد أفراد عائلتي للاتصال به، وعلمت من حديثهم مع بعضهم أنهم سيطلبون المال مقابل الإفراج عني”.
رضخت عائلة المحتجز مُجبرةً لابتزاز تجمع “أحرار الشرقية”، خوفاً على حياة ابنها، حيث تمَّ إطلاق سراحه بتاريخ 14 آب/أغسطس 2022، بعد حصول المجموعة المسلحة على مبلغ 23 ألف دولار أمريكي، وفقاً للشاهد، الذي قال حول ذلك:
“طلب فصيل أحرار الشرقية من عائلتي أن تدفع مبلغ 22 ألف دولار أمريكي مقابل إطلاق سراحي، وما كان بيّد أهلي حيلة، حيث اُجبروا على تأمين المبلغ ودفعه لمسلحي الفصيل، الذين قاموا أيضاً بنهب مبلغ ألف دولار كان بحوزتي، ثم تمَّ الإفراج عني بعد ذلك”.
وقال شاهد تعرض أربعة أفراد من عائلته للاعتقال في رأس العين/سري كانيه لـ “تآزر” إن قوات “الشرطة العسكرية” طلبت منهم دفع فدية مالية مقابل الإفراج عن أبنائهم المحتجزين، وتابع حديثه قائلاً:[5]
“اعتقلت الشرطة العسكرية أربعة أشخاص من عائلتنا، في ريف رأس العين/سري كانيه الغربي، أثناء محاولتهم العبور إلى تركيا بطريقة غير شرعية، مع نهاية تموز/يوليو 2022، وبقوا محتجزين حتى يوم 5 آب/أغسطس 2022، حيث تمَّ الإفراج عن ثلاثة منهم بعد دفعنا مبلغ 2500 دولار أمريكي لتلك القوات لقاء ذلك، فيما بقي الأخير محتجزاً فترة أطول، قبل أن يتم الإفراج عنه في وقت لاحق من ذاك الشهر”.
وأضاف الشاهد أنه المحتجزين المُفرج عنهم كانوا قد تعرضوا لتعذيب جسدي ونفسي شديديّن، في حين لا يملكون معلومات حول تفاصيل تقديمهم للقضاء وآلية الإفراج عنهم من الناحية القانونية.
فيما قال شاهدٌ آخر تحدثت إليه “تآزر” أن أخاه وثلاثة محتجزين آخرين تمَّ عرضهم على محكمة عسكرية قُبيل الإفراج عنهم، وشرحَ قصة اعتقال أخاه قائلاً:[6]
“تعرض أخي للاعتقال برفقة ثلاثة شبان آخرين، بتاريخ 5 تموز/يوليو 2022، على الطريق الدولي السريع M4، أثناء توجههم إلى رأس العين/سري كانيه، قادمين من مناطق الإدارة الذاتية، إذ اعتقلتهم قوات الشرطة العسكرية، وقامت بالتحقيق معهم، واحتجازهم لمدة 25 يوماً في سجن ببلدة مبروكة، في ظل ظروف احتجاز سيئة، رافقها توجيه شتائم متكررة لهم وإخضاعهم لضغط نفسي وقلة في الطعام، قبل أن يتم عرضهم على المحكمة العسكرية في رأس العين، مطلع آب/أغسطس 2022، والإفراج عنهم”.
التقت “تآزر” بشاهد آخر كان قد اعتقل بتاريخ 5 تشرين الأوَّل/أكتوبر 2022، في قرية “العزيزية” بريف رأس العين/سري كانيه الغربيّ، من قبل حرس الحدود التركي “الجندرما”، أثناء محاولته عبور الحدود إلى تركيا بطريقة غير شرعية، والذي تحدث حول تفاصيل اعتقاله قائلاً:[7]
“تعرضت للاعتقال من قبل قوات الجندرما التركية، وخضعت للتحقيق لمدة 24 ساعة، ومن ثم سلمتني الجندرما إلى عناصر تابعة للشرطة المدنية وفرقة السلطان مراد في رأس العين/سري كانيه، وتمَّ نقلي إلى مقر عسكري قريب من المشفى العام في المدينة، حيث بقيت هُناك ثلاث أيام”.
لم يجرؤ الشاهد على الاعتراف بأصوله الكرديَّة أثناء الاعتقال والتحقيق، ذلك خشيةَ تصفيته، حيث سبق أن وثقت “تآزر” ومنظمات محلية ودولية، ارتكاب فصائل “الجيش الوطني السوري” انتهاكات لحقوق الإنسان والتمييز على أسس عرقية، ولا سيما ضد الكُرد، وأستذكر ذلك الموقف خلال حديثه قائلاً:
“أثناء التحقيق، لم أفصح عن أنني كُردي، خوفاً من تصفيتي وقتلي، إذ قام أحد العناصر بفحص أكتافي للتحقق مما إذا كانت تحمل آثار حمل السلاح، بعد أن وجهوا لي تهمة القتال مع قوات سوريا الديمقراطية ضد فصائل الجيش الوطني السوري”.
أُفرج عن الشَّاهد بعد أن قضى ثلاثة أيام في المحتجز في ظروف صعبة أجبرته على دفع فدية مالية، حيث ختم حديثه قائلاً:
“بعد ثلاثة أيام من الاحتجاز، تمَّ الإفراج عني بعد أن دفعت مبلغ 500 ليرة تركية كفدية مالية مقابل إطلاق سراحي”.
اقتاد عناصر “الجيش الوطني السوري” المعتقل باتجاه أحد السواتر الترابية الفاصلة بينها وقوات سوريا الديمقراطية غربي مدينة رأس العين/سري كانيه، بالقرب من الطريق الدولي السريع M4، وهناك أطلق سراحه بعد سرقة هاتفه المحمول، ومبلغ 400 دولار أمريكي كان بحوزته.
———————-
[1] قاعدة اللجنة الدولية للصليب الأحمر 98، كما وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الاختفاء القسري بأنه جريمة حرب مركبة، انظر/ي القاعدة 156.
[2] الأمم المتحدة، اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 36 (2018)، الفقرة 58.
[3] نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 28.
[4] تمَّ إجراء المقابلة عبر الانترنت، بتاريخ 25 آب/أغسطس 2022، وتمَّ التحفظ على نشر بيانات الشاهد بناءً على رغبته.
[5] تمَّ إجراء المقابلة عبر الأنترنت، بتاريخ 6 آب/أغسطس 2022، وتحفظ الشاهد على نشر اسمه حفاظاً على سلامة أفراد عائلته.
[6] تمَّ إجراء المقابلة عبر الأنترنت، بتاريخ 5 آب/أغسطس 2022، وقد تمَّ التحفظ على اسم الشاهد بناءً على رغبته.
[7] تمَّ إجراء المقابلة عبر الانترنت، بتاريخ 12 تشرين الأول/أكتوبر 2022، وقد تمَّ التحفظ على نشر بيانات الشاهد بناءً على رغبته.