-
ملخص تنفيذي:
وثقت رابطة “تآزر” للضحايا، خلال النصف الأول من عام 2022، نشوب 23 حالة اقتتال/اشتباك داخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض، في منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، أدّت إلى مقتل مدني وإصابة ثمانية آخرين، بينهم سيدة وطفل، فضلاً عن مقتل 19 عنصراً وإصابة 75 آخرين على الأقل، من مسلحي تلك الفصائل التي تدعمها تركيا.
كما وثقت الرابطة، خلال الفترة ذاتها، حدوث أربع حالات قتل/اغتيال نفذها مسلحون مجهولون، قُتل خلالها عنصران من “الجيش الوطني السوري” ومدنيان، بينهما صائغ مجوهرات قُتل بداعي السرقة، وحادثتان لمحاولة قتل/اغتيال، أصيب خلالهما 3 عناصر من فصائل “الجيش الوطني”، بالإضافة إلى توثيق حادثة واحدة تمَّ خلالها إطلاق النار بشكل مباشر من قبل مجموعة مُسلحة تتبع لـ “فرقة الحمزة” على تجمع للمدنيين، ما أدى إلى إصابة طفل بجروح.
بيّنت المعلومات التي جمعتها “تآزر” أن حالات الاقتتال بين فصائل “الجيش الوطني السوري” تعود لأسباب عدّة، تتمحور أغلبها حول خلافات على السلطة والنفوذ، وإدارة تجارة المخدرات، وتهريب البشر بين سوريا وتركيا، وتندلع مواجهات أخرى نتيجة نزاعات فردية تتطور في بعض الحالات لتصبح مواجهات عسكرية واسعة، كما تسهم “العصبية القبائلية/العشائرية” في تطور بعض الخلافات بين مقاتلي الفصائل إلى مواجهات واسعة.
شهد شهر نيسان/أبريل، الذي وافق شهر رمضان، أكبر عدد من حالات الاقتتال الداخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري”، خلال النصف الأول من عام 2022، حيث اندلعت خلاله 8 اشتباكات، تلاه شهر آذار/مارس الذي شهد 7 اشتباكات، في حين شهد شهر أيار/مايو أربعة اشتباكات، كان أحدها الاقتتال الداخلي الأعنف الذي شهدته مناطق النفوذ التركي في شمال سوريا.
وكانت فرقة “الحمزة” أكثر الفصائل مشاركةً في الاشتباكات الداخلية في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، خلال الفترة التي يغطيها التقرير، حيث كانت طرفاً في 16 اقتتال، يليها تجمع “أحرار الشرقية” الذي شارك في 7 اشتباكات، ومن ثم “الفرقة 20” في 6 اشتباكات، و “الشرطة العسكرية” بواقع 5 مشاركات في حالات الاقتتال، التي لم تكن تندلع بين فصيلان مسلحان مختلفان فقط، كما هو متوقع، فقد نشبت ثمانية اشتباكات على الأقل بين مجموعات مسلحة ضمن الفصيل ذاته.
جرت جميع حالات الاقتتال الداخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري” التي شهدتها منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، في مناطق مأهولة بالسكان، كالأسواق العامة والأحياء السكنية والقرى، وفي حالات أخرى على حواجز طرقية يمّر عبرها المدنيون في المنطقة، فضلاً عن توثيق حالات قتل واغتيال وإطلاق النار ضمن البلدات والقرى.
بناءً على ما سبق، وخلافاً لما روّجت له تركيا بأن عمليتها العسكرية “نبع السلام” ستنشئ “منطقة آمنة” فإن فوضى السلاح وانعدام الأمان والاستقرار هما السمة الأبرز لواقع الحال في منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، رغم مضي أكثر من عامين ونصف على احتلالهما.
من وجهة نظر الضحايا، لا تقتصر آثار الاقتتال الداخلي وفوضى السلاح في مناطق النفوذ التركي، على وقوع ضحايا في صفوف المدنيين وإلحاق الضرر بممتلكاتهم، بل تتعدى ذلك إلى دفع السكان بالتفكير في مغادرة المنطقة، حيث يزيد الوضع الأمني المتردي من حالة عدم الاستقرار، ويؤثر بشكل واضح في عملية التنمية الاقتصادية، ما يفاقم الوضع الاقتصادي السيئ وحالة الفقر الشديد التي يعاني منها غالبية السوريين داخل البلاد.
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019، تحتل تركيا المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، التي غزتها تحت مُسّمى عملية “نبع السلام”، لذا فأنها ملزمة بضمان احترام واجباتها كسلطة احتلالٍ على النحو المنصوص عليه في المواد 42 – 56 من لوائح لاهاي[1] لعام 1907، والمواد 27 – 34 و 47 – 78 من اتفاقية جنيف الرابعة، بالإضافة إلى المادة 2 المشتركة من اتفاقيات جنيف، ذلك بغض النظر عن مدة الاحتلال والالتزامات الإضافية التي تصبح سارية بمرور الوقت.[2]
إلى جانب عدم اعترافها باحتلال أجزاء من شمال شرق سوريا، وعدم التزامها بواجباتها كسلطة احتلال في المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، تشير حالة فوضى السلاح وانعدام الأمان التي تشهدها تلك المناطق، إلى خرق تركيا لبنود اتفاقية “وقف اطلاق النار” في شمال شرق سوريا، التي تمَّ الإعلان عنها بين الحكومتين التركية والأمريكية، بتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019.
كل ما سبق، بالإضافة إلى الانتهاكات اليومية التي ترتكبها فصائل “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها “أنقرة”، مع غياب المساءلة واستمرار الإفلات من العقاب، يجعل المناطق الخاضعة للاحتلال التركي غير آمنة البتّة، ولا تتوافق مع معايير العودة الطوعية التي حددتها الأمم المتحدة.
-
توصيات:
فشلت تركيا في تحمل مسؤولياتها إزاء المناطق التي تحتلها في سوريا، إذ أنها لم تتخذ أي إجراءات حقيقية لضمان حماية المدنيين، كما أنها غضت البصر عن حالات الاقتتال الداخلي بين الفصائل المسلحة التي أولتها إدارة المنطقة، ورغم أن السلطات التركية تتحكم بهذه المناطق فعلياً، فهي لم تتدخل لوقف تلك الحوادث، إلا في مرة واحدة تزامنت مع تواجد مسؤولين أتراك في المنطقة، ولم تحاسب عناصر الفصائل الذين تسببوا بمقتل مدنيين أو جرحهم، كما لم تفرض على أي فصيل تعويض الأضرار المادية التي تسبب بها خلال الاشتباك.
بناءً على ما سبق، توصي رابطة “تآزر” للضحايا بالآتي:
- يجب على السلطات التركية باعتبارها “قوة احتلال” أن تتحمل مسؤولية ضمان النظام العام والسلامة العامة وتوفير حماية خاصة للنساء والأطفال، ذلك عبر اتخاذ جميع التدابير ضمن نطاق سلطتها لاستعادة وضمان النظام والسلامة العامَّين في المنطقة المحتلة قدر الإمكان.
- يجب على الحكومة التركية الالتزام بالاتفاق الأمريكي-التركي، وبالأخص البندين الرابع والسابع منه، ذلك عبر التزامهما بدعم الحياة الإنسانية وحقوق الإنسان وحماية المجتمعات الدينية والعرقية، وضمان سلامة ورفاه السكان المقيمين في جميع المراكز السكانية الخاضعة لسيطرتها.
- يجب على الحكومة التركية باعتبارها تقود فعلياً “الجيش الوطني السوري” المعارض أن تبذل أقصى جهدها لصون حقوق الإنسان الأساسية في المناطق التي تحتلها، ذلك عبر الحفاظ على القانون ومحاسبة منتهكيه، وعدم تعريض السكان المدنيين للابتزاز والخطر الأمني والعسكري.
- يجب على الحكومة السورية المؤقتة/المعارضة وقبلها الحكومة التركية كسلطة احتلال ضمان حق جميع الضحايا في المناطق المحتلة من الوصول إلى العدالة، من خلال إيجاد آليات انتصاف فعالة وواضحة وسهلة الوصول تضمن التحقيق الفوري والنزيه ومحاسبة المنتهكين وفرض تدابير الجبر المناسبة للضحايا.
- يجب على فصائل “الجيش الوطني السوري” المعارض، وعملاً بموجبات القانون الدولي الإنساني، ألا تقيم مقراتها ومواقع تواجدها العسكري داخل المدن أو بالقرب من أماكن سكن وتجمع المدنيين. تتحمل قيادات هذه الفصائل المسؤولية القانونية عن هذا الأمر، كما تتحمل السلطات التركية بوصفها “قوة احتلال” مسؤولية ضمان الالتزام بهذه الواجبات.
-
خلفية:
بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، بدأ الجيش التركي عملية عسكرية داخل أراضي شمال شرق سوريا، حيث أعلن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” توغل قوات بلاده مع مجموعات من المعارضة السوريّة المسلّحة/”الجيش الوطني السوري” تحت مسمّى عملية “نبع السلام”، ذلك عقب انسحاب القوات الأمريكية/التحالف الدولي، وحصول “أنقرة” على ضوء أخضر أمريكي باجتياحها، خلال مكالمة هاتفية جرت بين الرئيس التركي والرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، بتاريخ 6 تشرين الأول/أكتوبر 2019.[3]
كان للهجوم التركي تداعيات خطيرة على سكان المنطقة، وبالأخصّ المدنيين منهم، فقد أدى الغزو مباشرةً إلى نزوح أكثر من 180 ألف شخص من منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، خلال الأيام الأولى من العملية، بمن فيهم عشرات آلاف النساء والأطفال، في موجات نزوح سريعة وغير منسقة، بحسب الأمم المتحدة.[4]
وبتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وقعت تركيا اتفاقاً مع الولايات المتحدة الأمريكية، قضى بتعليق العمليات العسكرية التركية في شمال شرق سوريا لمدة (120) ساعة، تلاه وقف عملية “نبع السلام” بعد استكمال قوات سوريا الديمقراطية انسحابها من المنطقة.
أفضت عملية “نبع السلام” التي انتهت بتاريخ 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019، إلى سيطرة تركيا وفصائل “الجيش الوطني” التي تدعمها “أنقرة” على شريط حدودي بطول 120 كم بين مدينتي رأس العين/سري كانيه شمال غرب الحسكة، وتل أبيض شمال الرقة، وبعمق 32 كم، وأدت إلى نزوح أكثر من 175 ألف شخص من المنطقة، بحسب لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا.[5]
إبان انتهاء العملية العسكرية المسمّاة “نبع السلام” في المنطقة الممتدة من رأس العين/سري كانيه إلى تل أبيض، تقاسمت فصائل “الجيش الوطني” مناطق النفوذ فيها، حيث انتشرت فصائل: “الجبهة الشامية” و “فيلق المجد” و “أحرار الشرقية” في منطقة تل أبيض، في حين انتشرت “فرقة السلطان مراد” و “فرقة الحمزة/الحمزات” بشكل أساسي في منطقة رأس العين/سري كانيه، مع تواجد وانتشار أقل لفصائل أخرى منها “جيش الإسلام” و “فيلق الرحمن” و “لواء صقور الشمال” و “فرقة المعتصم” و “الفرقة 20”.
وعلى الرغم من توقيع تركيا اتفاق “وقف إطلاق النار” مع أمريكا، واتفاق “المنطقة الآمنة” مع روسيا، في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019، عمدت الفصائل المسلّحة المدعومة من “أنقرة” بشكل مباشر إلى ارتكاب العديد من الانتهاكات بحق سكان المنطقة، تنوعت بين الاعدام خارج نطاق القانون والاعتقال التعسفي والتعذيب والاستيلاء على المنازل ومنع العودة، علاوةً على عمليات نهب واستيلاء على ممتلكات ومبانٍ عامة، بما فيها الاستيلاء على مخزون الحبوب الاستراتيجي في المنطقة وبيع قسم منه إلى تركيا، حيث سبق أن أعدت “تآزر” العديد من التقارير التي توثق جزءاً من الانتهاكات التي ارتكبتها تلك الفصائل في منطقتي تل أبيض ورأس العين/سري كانيه.
كما قامت العشرات من الجهات المحلية والدولية والأممية بتوثيق أنماط من الانتهاكات بحق السكان في مناطق “نبع السلام”، كان على رأس تلك الجهات “لجنة التحقيق الدولية” الخاصة بسوريا، التي وثقت أنماطاً لا حصر لها من الانتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي على يد فصائل “الجيش الوطني السوري”، في نمط متسق مع ما حدث في عفرين قبل ذلك في العام 2018.[6]
-
المدنيون ضحايا فوضى السلاح:
وثقت رابطة “تآزر” للضحايا، نشوب 23 حالة اقتتال داخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض، في منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، خلال النصف الأول من عام 2022، أدّت إلى مقتل مدني وإصابة ثمانية آخرين، بينهم سيدة وطفل، فضلاً عن مقتل 19 عنصراً وإصابة 75 آخرين على الأقل، من مسلحي تلك الفصائل التي تدعمها تركيا.
كما وثقت الرابطة، خلال الفترة ذاتها، حدوث أربع حالات قتل/اغتيال نفذها مسلحون مجهولون، قُتل خلالها عنصران من “الجيش الوطني السوري” ومدنيان، وحادثتان لمحاولة قتل/اغتيال، أصيب خلالهما 3 عناصر من “الجيش الوطني”، بالإضافة إلى توثيق حادثة واحدة تمَّ خلالها إطلاق النار بشكل مباشر من قبل مجموعة مُسلحة تتبع لـ “فرقة الحمزة” على تجمع للمدنيين، ما أدى إلى إصابة طفل بجروح.
اعتمدت “تآزر” في توثيقاتها على المعلومات التي جمعتها في قاعدة البيانات الخاصة بها من قبل شبكة باحثيها المنتشرين في المنطقة، والشهادات التي حصلت عليها من الضحايا وعائلاتهم/ن ومن شهود العيان، فضلاً عن التحقق من معلومات المصادر المتاحة للعموم (المصادر المفتوحة).
وتُنوّه رابطة “تآزر” للضحايا، أن حالات الاقتتال الداخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري” في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض قد تكون أكثر مما تمَّ ذكره، ذلك لأن الرابطة تعلن الحالات التي تمَّ توثيقها والتحقق منها فقط.
- اقتتال بسبب خلاف على طرق التهريب:
بتاريخ 9 كانون الثاني/يناير 2022، نشب اقتتال/اشتباك داخلي مُسلح بين عناصر من فرقة “الحمزة” والشرطة العسكرية التابعة لـ “الجيش الوطني السوري/المُعارض” في مدينة رأس العين/سري كانيه، تركز في شوارع الكنائس والعبرة وحي المحطة الشمالي، واستُخدمت فيه أسلحة رشاشة.
أدى الاشتباك الذي دام عدة ساعات إلى إصابة عنصر من فرقة “الحمزة”، وفق شهادة سيدة من حي المحطة الشمالي في رأس العين/سري كانيه، والتي قالت لـ “تآزر”: [7]
“أصيب أحد مسلحي فرقة الحمزة برصاصة في قدمه، وقد عرفت بالأمر لأنه يقطن في منزل استولى عليه في ذات الشارع الذي اعيش فيه مع عائلتي، عقب نزوح العائلة الكُردية مالكة المنزل نتيجة عملية (نبع السلام) التركية، وقد علمت من زوجة المسلح المصاب بعد أيام، أن الاقتتال كان قد نشب نتيجة خلاف حول التمركز في نقطة حدودية تستخدم لتهريب البشر بطريقة غير شرعية إلى داخل الأراضي التركية مقابل المال”.
- تجارة المواد المخدرة تُنشب اقتتالاً بين مسلحي “الجيش الوطني”:
بعد نحو شهر، وتحديداً بتاريخ 9 شباط/فبراير 2022، دخل مسلحو فرقة “الحمزة” وعناصر “الشرطة العسكرية” في اقتتال آخر شهدته مدينة رأس العين/سري كانيه، لكن هذه المرة كانوا معاً أحد طرفا هذا الاشتباك في مواجهة مسلحين من فرقة “السلطان مراد” وتجمع “أحرار الشرقية”.
أحد عناصر “الشرطة المدنية” في رأس العين، التي لم تكن طرفاً في الاقتتال وحاولت تهدئته، قال لـ “تآزر” إن الاشتباك نشب بسبب خلافات داخلية حول تجارة المواد المخدرة في المنطقة[8]، وتابع حديثه قائلاً:
“ضبطت دورية تابعة للشرطة العسكرية مجموعة من عناصر فرقة السلطان مراد تقوم بتجارة المواد المخدرة بالشراكة مع مجموعة تتبع لتجمع أحرار الشرقية في حي الحوارنة/زورآفا، وحين محاولة اعتقالهم قاموا بإطلاق الرصاص على الدورية، ما أدى لإصابة أحد أفراد الشرطة، الذين تراجعوا، قبل أن تتدخل فرقة الحمزة للقتال إلى جانب الشرطة العسكرية بعد أن امتدت الاشتباكات إلى مناطق نفوذها بالقرب من شارع الكنائس”
دام الاشتباك حتى ساعات الليل المتأخرة في ذاك اليوم، وأدى إلى إصابة ثلاثة عناصر، أحدهم من “الشرطة العسكرية” والآخران من فرقة “السلطان مراد”.
- إطلاق النار بشكل مباشر على محتجين بينهم نساءٌ وأطفال:
وشهد شهر آذار/مارس 2022، سبع حالات اقتتال داخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري”، التي أولتها تركيا إدارة المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض (منطقة نبع السلام)، أدت إلى مقتل 4 مسلحين وجرح 25 آخرين من عناصر تلك الفصائل.
كما بدأ الشهر بحادثة اغتيال شخص عراقي الجنسية على يد مسلحان كانا يستقلان دراجة نارية وسط مدينة رأس العين، ولم تكشف الأجهزة الأمنية التابعة لـ “الجيش الوطني السوري” عن هوية القتيل أو حيثيات الجريمة. وثقت رابطة “تآزر” تواجد 55 عائلة، على الأقل، من عائلات مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، من الجنسية العراقية، في منازل نازحين ومُهجرين قسراً تمّ الاستيلاء عليها في حيّي “زورآفا/الحوارنة” و “زرادشت” في مدينة رأس العين/سري كانيه.[9]
ونشب اقتتال داخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري”، بتاريخ 9 آذار/مارس 2022، بين مسلحي فرقة “الحمزة” من جهة، وعناصر من “أحرار الشرقية” و “الفرقة 20″، في قرية “السفح” جنوبي رأس /سري كانيه، نتيجة خلافات بينية على موقع عسكري/منطقة نفوذ، وأدى الاشتباك المُسلح إلى إصابة خمسة على الأقل من عناصر تلك الفصائل، وفق ما روى أحد سكان قرية “السفح” لرابطة “تآزر”.
في ذات اليوم أيضاً، أي 9 آذار/مارس 2022، حدث اشتباك مسلح بين نازحين من ريف دير الزور[10] ومسلحي فرقة “الحمزة”، وسط مدينة رأس العين، على خلفية اعتداء عناصر من الفرقة على أحد النازحين، وقد تم استخدام البنادق وقذائف الـ RPG خلال الاقتتال، ما سبب حالة من الذعر بين المدنيين داخل أحياء المدينة. لم يتم توثيق أي خسائر بشرية.
بعد يوم واحد، أي بتاريخ 10 آذار/مارس 2022، حاصرت فرقة “الحمزة” و “لواء شهداء بدر” المنضوي ضمنها، مسلحي فصيل “القعقاع” التابع للفرقة في قرية “مختلة” غربي رأس العين/سري كانيه، ذلك عقب إعلان الفصيل انفصاله عن “لواء شهداء بدر” وفرقة “الحمزة” بسبب تخفيض الدعم العسكري واللوجستي المُقدم له. سكان من القرية قالوا لـ “تآزر” إنه حتى مضي 48 ساعة، أي بتاريخ 12 آذار/مارس 2022، طُرد مسلحو فصيل “القعقاع” من القرية ومن صفوف فرقة “الحمزة” أيضاً.
وكانت فرقة “الحمزة” و “لواء شهداء بدر” طرفاً في اقتتال آخر، نشب بتاريخ 13 آذار/مارس 2022، ضد فصيلي “أحرار الشرقية” و “الفرقة 20″، في قرية “تل أرقم” غربي رأس العين/سري كانيه، ما أدى لإصابة خمسة عناصر على الأقل من الفصائل المتقاتلة. امتد الاقتتال إلى “شارع الكنائس” وسط مدينة رأس العين.
ووفقاً للباحث الميداني لدى “تآزر” فأن الاقتتال نشب بسبب خلافات على خلفية انشقاقات في صفوف الجهات المتقاتلة، كنتيجة لتقليص الدعم اللوجستي والعسكري عن بعض فصائل “الجيش الوطني السوري” من قبل تركيا.
وبتاريخ 14 آذار/مارس 2022، أصيب الطفل “ابراهيم اسماعيل الخضر[11]” (10 أعوام) نتيجة إطلاق عناصر فرقة “الحمزة” الرصاص الحي على متظاهرين من قرية “تل أرقم” غربي رأس العين/سري كانيه، كانوا قد احتجوا مطالبين بوقف السرقات والاستيلاء على الممتلكات بالقوة.
نُقل الطفل إلى المشفى إثر جروحه البليغة، وفقاً لأحد أفراد عائلته[12]، الذي قال لـ “تآزر” إن سكان من القرية تجمعوا واحتجوا عقب محاولة عناصر من فرقة “الحمزة” المنضوية ضمن “هيئة ثائرون للتحرير” سرقة كابلات كهربائية من القرية، وسرد تفاصيل ما جرى قائلاً:
“في فجر ذاك اليوم، حاول عناصر من فرقة الحمزة سرقة كابلات كهربائية من محولة القرية، لكنهم سرعان ما لاذوا بالفرار عندما اكتُشف أمرهم، تلى ذلك خروج عشرات من سكان القرية للتظاهر أمام نقطة عسكرية تابعة للفرقة، بينهم نساء وأطفال، احتجاجاً على تكرر حالات السرقة والاستيلاء على ممتلكات السكان بالقوة من قبل عناصر الفصيل، الذي قاموا بإطلاق النار بشكل مباشر على المحتجين لإنهاء المظاهرة، وهو ما حصل، بعد أن أصيب ابراهيم”.
وبحسب الشاهد، فأن الطفل “ابراهيم الخضر” قد تلقى العلاج في مشفى “رأس العين” العام حتى تحسن وضعه الصحي.
عقب أسبوع، وتحديداً بتاريخ 21 آذار/مارس 2022، قُتل عنصر من فرقة “الحمزة” يدعى “نديم الزوان” برصاص عناصر من “لواء شهداء بدر” التابع للفرقة، على حاجز يتبع لها في قرية “العزيزية” غربي رأس العين/سري كانيه، نتيجة اقتتال داخلي نشب بين المجموعتين.
شاهد على الاقتتال من سكان قرية “العزيزية” أفاد لـ “تآزر” أن الاقتتال اندلع نتيجة خلاف حول تقاسم النفوذ والاتاوات من طرق للإتجار بالبشر وتهريبهم بطريقة غير شرعية إلى تركيا.[13] وتابع حديثه قائلاً:
“نشب الاشتباك بين مجموعة تتبع لـ (أبو حميد الحربي) في فرقة الحمزة، ومجموعة (أبو اسكندر الديري) التابعة للواء شهداء بدر، بعد أن حاولت الفرقة الاستيلاء على حاجز الأخيرة في القرية، الذي يفرض اتاوات على القادمين للعبور إلى تركيا بطريقة غير شرعية، في حين تقوم مجموعات مسلحة من الجيش الوطني السوري، وبالتحديد فرقة الحمزة، والفرقة 20، وأحرار الشرقية، بتهريب الأشخاص الراغبين إلى تركيا مقابل المال”.
عقب يوم واحد، أي بتاريخ 22 آذار/مارس 2022، نشب اقتتال مسلح بين عناصر من فرقة “الحمزة”، وعناصر منشقين عنها وآخرين من فصيلي “أحرار الشرقية” و “الفرقة 20″، بالقرب من بلدة “تل حلف” غربي رأس العين/سري كانيه، ومزرعة “أصفر و نجار” جنوبي المدينة، وقد استُخدمت خلال الاشتباك بنادق رشاشة وقذائف صاروخية من نوع RPG.
تابع الباحث الميداني لدى “تآزر” حيثيات ذاك الاقتتال، وأكد أن الاشتباك نشب بسبب خلافات حول تقاسم مناطق النفوذ، إذ تتسارع تلك الفصائل للاستفادة غير الشرعية من واردات عمليات تهريب المواد الغذائية إلى مناطق الإدارة الذاتية/قوات سوريا الديمقراطية، وتهريب البشر إلى تركيا مقابل المال، وقد أدى الاقتتال إلى إصابة أربعة عناصر من تلك الفصائل.
وكانت فرقة “الحمزة” طرفاً في جميع الاقتتالات/الاشتباكات التي شهدتها منطقة “نبع السلام” في شهر آذار/مارس 2022، وكان آخرها في مدينة رأس العين/سري كانيه، بينها وبين عناصر “الفرقة 20″، بتاريخ 30 آذار/مارس، ذلك على خلفية انشقاق كتيبة “أحرار القعقاع” عن فرقة “الحمزة” وانضمامها إلى “الفرقة 20″، ما أدى إلى نشوب اشتباكات بالأسلحة الرشاشة بين الطرفين في “شارع الكنائس” والشوارع المحيطة به، ومقتل ثلاثة عناصر وإصابة 11 آخرين من الطرفين.
دار الاشتباك بين منازل المدنيين، الذين نزح بعضهم بشكل مؤقت إلى أحياء أكثر أمناً، خوفاً على حياتهم، ومن بينهم “قاسم صوفي” الذي شهد الساعات الأولى من الاشتباك، وكشف لـ “تآزر” عن سرقة مسلحي فرقة “الحمزة” لمنازل بعض المدنيين أثناء نزوحهم المؤقت عنها.
عقب انتهاء الاشتباك، أطلقت الفرقة حملة مداهمات استهدفت منازل المدنيين، تحدث “صوفي” حولها قائلاً:[14]
“ما أن فُضَ الاشتباك، بدأ أمنيو فرقة الحمزة بمداهمة وتفتيش للعديد من المنازل في شارع الكنائس والشوارع القريبة منه، بذريعة انحياز سكان تلك المنازل لصالح الفصيل الخصم، واعتقلوا ثلاثة أشخاص بتهمة تسريب معلومات أمنية إلى الفرقة 20، ولم يجرؤ أحد من السكان على الاعتراض أو التقدم بشكوى، ذلك نتيجة غياب المحاسبة في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري”.
- تركيا تغض البصر عن الاقتتال بين فصائل “الجيش الوطني السوري”:
شهد شهر نيسان/أبريل، الذي وافق شهر “رمضان”، أكبر عدد من حالات الاقتتال الداخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض، خلال النصف الأول من عام 2022، حيث اندلعت خلاله 8 اشتباكات، أدت إلى مقتل 8 أشخاص، وجرح 26 آخرين، بينهم مدنيان أثنان.
كما عثر سكان من قرية “عاجلة” غربي رأس العين/سري كانيه، بتاريخ 2 نيسان/أبريل 2022، على جثة شخص يُدعى “علي أبو ابراهيم” قيل أنه عنصر في “الجيش الوطني السوري” في تل أبيض، وينحدر من بلدة “سلوك” شمالي الرقة. تحقق “تآزر” حول إفادات تشير إلى مقتل “أبو ابراهيم” على يد قيادييّن من “الشرطة العسكرية” التابعة لـ “الجيش الوطني السوري”، على خلفية اكتشافه محاولتهما تهريب عدد من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” إلى تركيا بطريقة غير شرعية.
وبتاريخ 7 نيسان/أبريل 2022، نشب اقتتال/اشتباك بين فرقتي “الحمزة” و “ملك شاه” في بلدة “تل حلف” غربي رأس العين/سري كانيه، نتيجة خلافات بينية حول تقاسم واردات تهريب البشر بطريقة غير شرعية إلى تركيا. لم يعلن أي من الطرفين عن وقوع خسائر بشرية في صفوفه.
في ذات اليوم، نشب اقتتال داخلي بين مجموعتان تتبعان لفرقة “المعتصم” في رأس العين/سري كانيه، بسبب خلاف بين قادة المجموعتين على منزل مُستولى عليه تعود ملكيته لأحد المهجرين قسراً من المدينة. استمر الاشتباك بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية نحو ساعة كاملة في أحياء “الحوارنة/زورآفا” و “ساحة الديوان”، لكنها لم تسفر عن أي خسائر بشرية.
عقب يومين، وبتاريخ 9 نيسان/أبريل 2022، جرى اقتتال آخر بين عناصر “لواء شهداء بدر” التابع لفرقة “الحمزة”، ومسلحي فصيل الفرقة 20، في قرية “مختلة” غربي رأس العين/سري كانيه، نتيجة الصراع على النفوذ وطرق تهريب البشر وتقاسم واردات الحواجز العسكرية التي تفرض اتاوات على السكان المحليين.
وفقاً للباحث الميداني لدى “تآزر” فقد استمر الاشتباك حتى صباح اليوم التالي، وأدى إلى إصابة ثلاث من عناصر “لواء شهداء بدر” بجروح، في حين جُرح مسلحيّن اثنين من “الفرقة 20”.
ومرةً أخرى بسبب خلافات حول تقاسم واردات تهريب البشر بطريقة غير شرعية إلى تركيا، قُتل عنصر من فرقة “الحمزة” وأصيب آخر بجروح، بتاريخ 13 نيسان/أبريل 2022، نتيجة اقتتال داخلي بين عناصر مجموعتين مسلحتين ضمن الفرقة ذاتها في محيط قرية “تل أرقم” غربي رأس العين/سري كانيه.
في ذات اليوم، 13 نيسان/أبريل 2022، نشب اقتتال داخلي بين عناصر من فرقة “الحمزة” بالقرب من شارع “الكنائس” وسط مدينة رأس العين/سري كانيه، لكنه لم يدم سوى عدة ساعات، إثر تدخل قوات “الشرطة العسكرية” لوقف الاشتباك، ولم ترد أي معلومات عن خسائر بشرية على خلفية الاقتتال.
عقب أسبوع، وبتاريخ 20 نيسان/أبريل 2022، نشب اقتتال بين عناصر من “هيئة ثائرون للتحرير[15]” من طرف، وعناصر من “الشرطة العسكرية” في رأس العين/سري كانيه على خلفية اعتقال القوات الأمنية التابعة للهيئة عنصراً من “الشرطة العسكرية” في بلدة “مبروكة” غربي رأس العين.
تحققت “تآزر” من مشاركة مسلحين من فرقة “الحمزة” وآخرون ينتمون لقبيلة “العكيدات” ضمن صفوف “الجيش الوطني السوري” في القتال إلى جانب عناصر “الشرطة العسكرية” بحكم القرابة العشائرية بين عناصر تلك الفصائل. امتد القتال إلى أحياء مختلفة داخل المدينة، وأدى إلى مقتل عنصر من فرقة “الحمزة” ووقوع ثلاث جرحى من الطرفين.
عقب يومين، وبتاريخ 22 نيسان/أبريل 2022، نشب اقتتال دامي بين عناصر من الشرطة المدنية، وعناصر من “هيئة ثائرون للتحرير”، في مدينة رأس العين/سري كانيه، على خلفية اعتقال أمنيو الأخيرة خمسة عناصر من “الشرطة المدنية”، بسبب تعديهم على شقيق أحد الأمنيين في الهيئة، لرفضه بيعهم بالدين في محل بقالية يملكه، إذ قام أمنيو الهيئة بحلق شعر ثلاثة من عناصر “الشرطة المدنية” بعد اعتقالهم، فيما أفرجوا عن العنصرين الآخريّن.
واسفرت الاشتباكات عن مقتل ستة عناصر من الطرفين، بينهم القيادي في “هيئة ثائرون” عبد الكريم الموالي، بعد تعرضه لإصابة بليغة، وجُرح 13 مقاتلين آخرين، فضلاً عن إصابة مدنييّن اثنين على الأقل.
ووقع تبادل إطلاق النار، أثناء خروج “مروة عيسى” وأطفالها لشراء ملابس ومستلزمات العيد، ما تسبب بحالة ذعر بين الناس في سوق المدينة، الذي شهد إقبالاً متزايداً في الأسبوع الأخير من شهر “رمضان”.
وعبّرت “عيسى” وهي نازحة سورية من مدينة “حمص” نقلتها القوات التركية مع عائلتها من مدينة جرابلس إلى رأس العين/سري كانيه عقب عملية “نبع السلام”، في حديثها لـ “تآزر” عن استيائها نتيجة فوضى السلاح في مناطق “الجيش الوطني السوري”، قائلةً:[16]
“نشب الاشتباك المسلح بالقرب من دوار البريد وعبارة الحاج وصفي التي تكظ بالمتسوقين، وانتشر إلى أحياء المدينة الشمالية، ما أثار حالة ذعر بين المدنيين، ولا سيما النساء والأطفال، وأصيب شاب برصاصة في قدمه بالقرب منا، فاحتمينا داخل أحد المحلات في العبارة حتى ما قبل حلول موعد الإفطار، حيث تدخلت دوريات تركية لفض الاشتباك وتهدئة الطرفين”.
وبحسب “مروة عيسى” فأن معظم الاقتتالات/الاشتباكات بين فصائل “الجيش الوطني السوري” تحدث على مقربة من القوات التركية، لكنها تغظ البصر عنها، وبررت سبب تدخلها لفض الاشتباك الأخير قائلةً:[17]
“ما كانت القوات التركية لتتدخل، لولا أن الاقتتال تزامن مع وصول والي ولاية شانلي أورفا التركية، عبدالله أرين، إلى رأس العين/سري كانيه لحضور مأدبة إفطار جماعية”.
تحققت “تآزر” من زيارة والي ولاية “شانلي أورفا” التركية، عبدالله أرين، للمدينة في مساء ذات اليوم، 22 نيسان/أبريل 2022، بالتزامن مع نشوب الاقتتال/الاشتباك بين “الشرطة المدنية” وهيئة “ثائرون للتحرير”، ونشر الوالي التركي منشوراً عبر صفحته الرسمية على موقع “فيس بوك”[18]، فجر يوم 23 نيسان/أبريل 2022، يظهر صور زيارته إلى رأس العين/سري كانيه ولقائه مع المجلس المحلي لمدينة رأس العين التابع للحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف السوري المعارض، ومشاركته مأدبة إفطار جماعية.[19] كما نشر “المجلس المحلي لمدينة رأس العين أيضاً، في ذات اليوم، صوراً تظهر زيارة الوالي التركي إلى المدينة.
وكان آخر اقتتال/اشتباك شهدته مناطق “نبع السلام” في شهر “رمضان” الكريم، قد نشب بتاريخ 26 نيسان/أبريل 2022، بين عناصر مجموعتان تتبعان لـ “جيش الشرقية” في ناحية “سلوك” التابعة لمدينة تل أبيض شمالي الرقة، بسب خلافات بينية حول تقاسم واردات عمليات تهريب المحروقات والمواد الغذائية بين مناطق “الجيش الوطني السوري” وقوات سوريا الديمقراطية – قسد.
توقف الاقتتال بعد الإفطار، مع حلول المساء، وأدى إلى إصابة عنصرين بجروح متفاوتة، نقلوا على إثرها إلى مشفى تل أبيض لتلقي العلاج، بحسب الباحث الميداني لدى “تآزر”.
- غياب آليات انتصاف فعالة للضحايا في مناطق “نبع السلام”:
وشهد شهر أيار/مايو 2022، أربع اشتباكات داخلية بين فصائل “الجيش الوطني السوري”، أدت إلى مقتل مدني واحد، وإصابة 6 آخرين على الأقل، فضلاً عن مقتل 5 مسلحين وجرح 16 آخرين من عناصر الفصائل المتقاتلة.
بتاريخ 4 أيار/مايو 2022، أي في ثالث أيام عيد الفطر السعيد، قُتل المدني “ثامر الطريحة” وهو نازح من أبناء قبيلة “الشعيطات” في ريف دير الزور، نتيجة إطلاق النار عليه خلال اقتتال نشب بين عناصر من فصيل “أحرار الشرقية” وآخرين من “الشرطة العسكرية” في قرية “الراوية” غربي رأس العين/سري كانيه، على خلفية ضبط الأخيرة لعملية تهريب بشر إلى تركيا من قبل “أحرار الشرقية”، وقد أدى الاشتباك أيضاً إلى مقتل عنصر من “أحرار الشرقية” وإصابة آخر من “الشرطة العسكرية”.
مزارع من قرية “الراوية” كان على مقربة من موقع الاشتباك، وشاهداً على مقتل “ثامر الطريحة”، سرد لـ “تآزر” تفاصيل ما جرى قائلاً:[20]
“بدأ تبادل إطلاق النار دون سابق إنذار، حينها كان ثامر يستقل دراجة نارية، واقفاً على جانب الطريق ينتظر أحداً ما، ودار الاشتباك على مقربة منه، حيث أصيب بعدة طلقات نارية، وعلى الرغم من أن الاقتتال لم يدم أكثر من نصف ساعة، إلا أنه كان قد فارق الحياة على الفور”.
وبتاريخ 9 أيار/مايو 2022، نشب اقتتال داخلي بين عناصر من فرقة “السلطان مراد” في حيّ “الحوارنة/زورآفا” في رأس العين/سري كانيه، بسبب ضبط عملية تهريب حبوب مخدرة، وظهور خلاف بين عناصر الفرقة حول تقاسم واردات عملية التهريب، وقد أصيب عنصر من الفرقة خلال الاشتباك الذي دام نحو ساعة، وفقاً للباحث الميداني لدى “تآزر”.
بعد أقل من أسبوع، وتحديداً بتاريخ 14 أيار/مايو 2022، قُتل عنصر من “الجيش الوطني السوري” يدعى “صالح المحمد” من قرية “السوسة” في ريف دير الزور، إثر تعرضه لإطلاق نار وسط مدينة رأس العين/سري كانيه، دون معرفة الجناة، اللذين لاذوا بالفرار.
لم ينشر “الجيش الوطني السوري” أي معلومات حول الحادثة، في حين قال “منذر غالي” وهو نازح من حمص مقيم في رأس العين/سري كانيه لـ “تآزر” إن الجريمة وقعت بالقرب من “ساحة الديوان” وسط المدينة، وتابع حديثه قائلاً:[21]
“ما أن نزل الرجل من السيارة، حتى تعرض لإطلاق نار مباشر من سيارة أخرى قريبة من نوع (هيونداي – سنتافي)، إذ أصيب صالح برصاصتين في البطن، وفارق الحياة متأثراً بجراحه”.
وطوال يوم 18 أيار/مايو 2022، دار اقتتال/اشتباك متقطع بين عناصر “الشرطة العسكرية” و “الشرطة المدنية في رأس العين/سري كانيه، على الطريق الممتد بين دوار البريد في مركز المدينة ودوار “الجوزة/الأعلاف” على طريق بلدة تل حلف.
وفقاً للمعلومات التي حصلت عليها “تآزر” وتحققت منها، فقد أدى الاقتتال إلى مقتل عنصر من “الشرطة المدنية” وجرح ثلاثة آخرون، فضلاً عن إصابة مدنيان اثنان على الأقل، أحدهما “محمد ناصر العبدالله” كانت جروحه بليغة.
في اليوم التالي، بتاريخ 19 أيار/مايو 2022، أصيب أحد عناصر “الشرطة العسكرية” بجروح، نتيجة تعرضه لعملية طعن بالسكين من قبل مجهولين أمام منزله في قرية “حمام التركمان” بريف الرقة، نقل على إثرها إلى المشفى العام في رأس العين/سري كانيه لتلقي العلاج. لم تورد “الشرطة العسكرية” أي معلومات حول الحادثة.
الاقتتال الأعنف خلال النصف الأول من عام 2022، بدأ مع فجر يوم 25 أيار/مايو في رأس العين/سري كانيه، مع هجوم مسلحي فصائل “الجيش الوطني السوري” الذين ينتمون لقبيلة “العكيدات”، على مجموعات تتبع لفرقة “الحمزة” من أبناء قبيلة “الموالي”، ذلك على خلفية اقدام القيادي في الفرقة “خالد العبدالله” الذي يُكنى بـ “أبو حمصي الموالي” على قتل الشاب “محمد العواد الدعار” وهو عنصر في “الجيش الوطني” من أبناء قبيلة “العكيدات” في ريف دير الزور الشرقي.
سعياً للثأر، كما وصف أبناء قبيلة “العكيدات” في تسجيلات صوتية نُشرت على مجموعات إخبارية على تطبيقات “واتس آب وتلغرام”، حشدت القبيلة جميع المسلحين الموالين لها في رأس العين/سري كانيه وريفها، وأطلقت هجوماً واسعاً، بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة على مقرات ومراكز عسكرية تُديرها مجموعات مسلحة تابعة لقبيلة “الموالي”، وبشكل رئيسي ضمن فرقة “الحمزة”.
وقد وثق مقطع فيديو تمَّ تصويره بتاريخ 25 أيار/مايو 2022، جانباً من الاشتباكات بين الطرفين بالقرب من مدرسة “أبن خلدون” الثانوية في حي “المحطة الشمالي” بالمدينة، حيث يظهر بشكل جليّ استخدام الأسلحة الرشاشة وإطلاق قذائف صاروخية من نوع RPG خلال الاقتتال الدائر بين الأحياء السكنية.
كنتيجة للاشتباكات، سُرعان ما سيطر مسلحو “العكيدات” على عدة أحياء في مدينة رأس العين/سري كانيه، وقرى في ريفيها الغربي والجنوبي، وسط حالة من الخوف والذعر بين المدنيين، ولا سيما النساء والأطفال، حيث نزحت عشرات العائلات بشكل مؤقت إلى خارج المدينة، تمَّ إيواء عدد منها داخل “صالة الأمين للأفراح” على طريق الحسكة جنوبي رأس العين، وقد أدى الاقتتال إلى إصابة أربعة مدنيين على الأقل، بينهم سيدة وطفل.
السيدة التركية “كار بياز ديمير” (40 عاماً) التي تقطن مدينة “جيلان بينار” كانت إحدى ضحايا الاقتتال، حيث أصيبت برصاصة عشوائية مصدرها مدينة رأس العين/سري كانيه المتاخمة لمدينتها في الجانب السوري. وبحسب وسائل إعلامية تركية فأنّ الرصاصة اخترقت رقبة “ديمير”، وأدّت إلى تعرّضها لإصابة بالغة، نُقلت على إثرها إلى مشفى “جيلان بينار” الحكومي لتلقّي العلاج.
من بين المصابين أيضاً “عبد الرحمن كاجي” من سكان رأس العين/سري كانيه، الذي أصابته شظية قذيفة في الوجه، حيث استُخدمت خلال الاقتتال أسلحة رشاشة وقذائف صاروخية من نوع RPG، كما ألحق أضراراً مادية كبيرة بسيارات ومنازل الأهالي.
أسفرت تلك الاشتباكات عن مقتل 3 مسلحين وإصابة 8 آخرين من عناصر فرقة “الحمزة” المنتمين لقبيلة “الموالي”، فيما جُرح ثلاثة آخرون من عناصر “الجيش الوطني السوري” المنتمين لقبيلة “العكيدات”.
أحد السكان المدنيين الذين لحق الضرر بمنازلهم نتيجة الاقتتال بين مسلحي فصائل “الجيش الوطني السوري”، قال لـ “تآزر” إنه تقدم بشكاوى رسمية للشرطة العسكرية والمجلس المحلي في رأس العين، مطالباً بترميم الضرر الذي أصاب منزله، لكن طلبه قوبل بالاستهزاء، حيث سرد قصته قائلاً:[22]
“أصابت قذيفة صاروخية سطح منزلي في حي زرادشت، خلال الاشتباك الأخير، وبحمد الله لم نصب أنا وعائلتي بأذى، وقد تقدمت بشكوى للشرطة العسكرية وأخرى للمجلس المحلي في رأس العين ضد المجموعات المسلحة المتقاتلة، عقب عودة الهدوء إلى المدينة، وطالبت بترميم منزلي حتى نستطيع العودة إليه مجدداً، لكنهم استهزئوا بي، وقال أحد أعضاء المجلس المحلي ضاحكاً: أذهب، جيدٌ أنك وعائلتك لا تزالون بخير”.
- قتل صائغ ذهب في وضح النهار بداعي السرقة:
وشهد شهر حزيران/يونيو 2022 حالتي اقتتال داخلي، أسفرتا عن مقتل مسلحيّن وجرح 5 آخرين من عناصر الفصائل المتقاتلة، كما اختتم الشهر ذاته بحادثة قتل صائغ مجوهرات في رأس العين/سري كانيه، من قبل مسلحان مجهولان بداعي السرقة.
بتاريخ 15 حزيران/يونيو 2022، نشب اقتتال في مدينة رأس العين/سري كانيه بين عناصر من فصيل “أحرار الشرقية” وآخرون من فرقة “الحمزة”. لم ترد أي معلومات عن سبب الاشتباك والخسائر البشرية في صفوف الطرفين، لكن في اليوم التالي، أي بتاريخ 16 حزيران/يونيو 2022، أصيب عنصر في الشرطة المدنية وآخر من من فرقة “الحمزة” بجروح نتيجة استهدافهم بالرصاص داخل المدينة، دون بيان هوية المهاجمين.
عقب يومين، وتحديداً بتاريخ 18 حزيران/يونيو 2022، شهدت قرية “تل ذياب” غربي رأس العين/سري كانيه، اقتتالاً عنيفاً بين تجمع “أحرار الشرقية” من جهة، وفرقة “الحمزة” و “الفرقة 20” من جهة أخرى، ذلك على خلفية صراع مستمر بين الطرفين للاستيلاء على محطة وقود وأراض زراعية تمَّ تهجير مالكيها. استُخدمت خلال الاشتباك أسلحة خفيفة ومتوسطة وقذائف صاروخية، وأدى إلى نزوح سكان القرية بشكل مؤقت، كما قُتل عنصرين وأصيب ثلاثة آخرون بجروح خطيرة، فضلاً عن سيطرة فرقة “الحمزة” على نقاط ومقرات فصيل “أحرار الشرقية”.
وفي اليوم الأخير من النصف الأول في عام 2022، أي بتاريخ 30 حزيران/يونيو، قُتل صائغ الذهب والمجوهرات “محمد البرهاوي” وهو من أبناء المكون “الشيشاني” في رأس العين/سري كانيه، بعد تعرضه لإطلاق نار وسرقة من قبل ملثميّن يستقلان دراجة نارية، أمام منزله في المدينة. بيّنت تسجيلات مصورة[23] مأخوذة من كاميرات المراقبة أمام منزل “البرهاوي” أثناء ارتكاب الجريمة، تعرضه لإطلاق النار من أحد الملثميّن بشكل مباشر، وسرقة الحقيبة التي كان يحملها في يده.
في اليوم التالي، شهدت مدينة رأس العين/سري كانيه مظاهرة لعشرات الأشخاص في أثناء تشييع جنازة “البرهاوي”، احتجاجاً على الفلتان الأمني وفوضى السلاح الذي تشهده المنطقة بعد احتلالها من قبل تركيا وإيلاء السيطرة عليها إلى قوات “الجيش الوطني السوري” المُعارض.
وردد المتظاهرون شعار “نبع السلام، مافي أمان” احتجاجاً على انعدام الأمان في “المنطقة الآمنة”، مطالبين تركيا بضبط الأمن ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.
-
انعدام الأمان في “نبع السلام”:
برّرت الحكومة التركية عمليتها العسكرية “نبع السلام” على شمال شرق سوريا، في تشرين الأول/أكتوبر 2019، بأنها ستنشئ “منطقة آمنة” لحماية أمنها القومي وإحلال السلام والأمان في المنطقة، لكن خلافاً لما روّجت له تركيا، فإن فوضى السلاح وانعدام الأمان والاستقرار هما السمة الأبرز لواقع الحال في منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، رغم مضي أكثر من عامين ونصف على احتلالهما.
من جانب آخر، تعاني مناطق النفوذ التركي في شمال سوريا، بما في ذلك منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، فوضى في انتشار السلاح واستخدامه بين المدنيين، دون وجود رقابة أو ترخيص؛ ذلك على الرغم من أن وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، المظلة السياسية لـ “الجيش الوطني السوري”، قد أصدرت تعميماً، بتاريخ 12 نيسان/أبريل 2022، حول ضبط حمل السلاح في مناطق سيطرتها، وحصر تواجده في المعسكرات وخطوط المواجهة مع العدو والنقاط الأمنية[24]، إلا أنه لا يزال منتشراً وبكثرة، ودائماً ما يتحول أي شجار إلى الاستخدام الفوري للسلاح، سواءً عبر إطلاق النار في الهواء لنشر الهلع والخوف، أو بشكل مباشر لتحقيق إصابات.
-
مسؤولية تركيا القانونية كقوة احتلال:
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019، تمارس تركيا سيطرة فعالة على المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، التي غزتها تحت مُسّمى عملية “نبع السلام”، وتحتفظ بوجود عسكري مستمر فيها، مع فرض القانون التركي وإدارة المدارس والوظائف العامة الأخرى، لذا فهي قوة احتلال.
تعتبر الأرض محتلة عندما تقع تحت سيطرة أو سلطة فعلية للقوات المسلحة الأجنبية، سواءً جزئياً أو كلياً، دون موافقة الحكومة المحلية. يمكن اليوم أن تُمارَس السيطرة الفعلية لسلطة الاحتلال دون تواجد عسكري مستمر لها في المنطقة، حيث ينصب التركيز على حجم السلطة التي تحتفظ بها القوات الأجنبية بدلاً من التركيز بشكل حصري على كيفية ممارستها.[25] وبمجرد أن تصبح الأرض تحت السيطرة الفعلية للقوات المسلحة الأجنبية، تنطبق قوانين الاحتلال.
تتعامل تركيا مع هذه المناطق التي تحتلها كجزء من بلادها، وعلى سبيل المثال، فإن مدينتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض المحتلتان، تتبعان من الناحية الخدمية والإدارية إلى ولاية/محافظة “شانلي أورفا” التركية، حيث يقدم “مركز الدعم والتنسيق السوري”، وهو قسم تابع لمكتب والي/محافظ “أورفا”، خدمات عامة، بما فيها المياه، وجمع القمامة، والنظافة، وخدمات الرعاية الصحية، والمساعدات الإنسانية، كما قام كل من الوالي السابق لولاية “أورفا”، عبدالله آرين، وخلفه الحالي “صالح أيهان” بزيارات عدة للإشراف وتفقد المشاريع المنفذة في المنطقة المحتلة. تنسق الإدارات الحكومية التركية هذه الخدمات، بدعم ومساعدة من القوات المسلحة التركية[26].
من ناحية أخرى، لا تزال القوات المسلحة التركية في هذه المناطق، وأنشأت لها قواعد عسكرية[27] ونقاط تفتيش، كما تزود الحكومة التركية “الجيش الوطني السوري” وقوات الشرطة في المنطقة المحتلة بالتدريب والدعم اللوجستي، كما تنسّق معهم عن كثب على أعلى المستويات، بما في ذلك توجيه الأوامر التنفيذية للقادة رفيعي المستوى.
في المناطق الخاضعة للاحتلال التركي، تتحمل تركيا مسؤولية ضمان النظام العام والسلامة العامة وتوفير حماية خاصة للنساء والأطفال. وتظل تركيا مُلزَمة بالتزامات الواجبة التطبيق في مجال حقوق الإنسان تجاه جميع الأفراد الموجودين في تلك الأراضي. وإذا لم تتدخل القوات التركية لوقف تلك الانتهاكات عندما يتم إعلامها بها، فأنها قد تنتهك الالتزامات المذكورة أعلاه.
علاوةً على ذلك، فإن سلطة الاحتلال ملزمةٌ باحترام بنود معاهدات حقوق الإنسان التي وقعت عليها الدولة التي احتُلت أراضيها بشكلٍ جزئي أو كلي.[28] كما أن تطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان خارج الحدود الإقليمية هو التزامٌ يقع على عاتق سلطة الاحتلال.[29]
وبما أن سلطة الاحتلال “مُلزَمة، وفقاً للمادة 43 من لوائح لاهاي لعام 1907، باتخاذ جميع التدابير ضمن نطاق سلطتها لاستعادة وضمان النظام والسلامة العامَّين في المنطقة المحتلة قدر الإمكان.”[30] فإن تركيا ملزمة “بضمان احترام القواعد المعمول بها من القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، لحماية سكان المناطق المحتلة من أعمال العنف، وعدم التساهل مع أعمال العنف المرتكبة من قبل أي طرفٍ ثالثٍ.” لذلك يجب على المحتل أيضاً أن يحترم التزاماته المستمدة من تعهداته تجاه أية اتفاقيات دولية أو إقليمية، بالإضافة إلى أية أحكام عرفية. هذا ما أكدته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي شددت على أن الدولة الطرف في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان [31]، ملزمة بتطبيق الاتفاقية خارج أراضيها الوطنية، لصالح الرعايا الأجانب، طالما أنها تمارس السيطرة والسلطة على فردٍ أجنبيٍ، وطالما أنها تمارس سيطرةً فعليةً على إقليمٍ آخر غير إقليمها الوطني.[32]
-
خرق لبنود الاتفاق التركي-الأمريكي:
تشير حالة فوضى السلاح وانعدام الأمان التي تشهدها تلك المناطق، إلى خرق تركيا لبنود اتفاقية “وقف اطلاق النار” في شمال شرق سوريا، التي تمَّ الإعلان عنها بين الحكومتين التركية والأمريكية، بتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، ووصفها “البيت الأبيض” بـ “الاتفاقية التاريخية”.
الاتفاق الأمريكي-التركي تمَّ الإعلان عنه من قبل “مايكل بنس” نائب الرئيس الأمريكي “ترامب” آنذاك، عقب محادثات في “أنقرة” مع الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، وسرعان ما أشاد بها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” وقال إنها ستنقذ “ملايين الأرواح”. وذكر بيان أمريكي-تركي مشترك عقب المحادثات “أن القوات المسلحة التركية ستتولى إقامة المنطقة الآمنة”.
وبحسب البند الرابع من البيان المشترك “الأمريكي-التركي”، الصادر في 13 بنداً، “يؤكد البلدان التزامهما بدعم الحياة الإنسانية وحقوق الإنسان وحماية المجتمعات الدينية والعرقية“. كما جاء في البند السابع من الاتفاقية “أعرب الجانب التركي عن التزامه بضمان سلامة ورفاه السكان المقيمين في جميع المراكز السكانية في المنطقة الآمنة التي تسيطر عليها القوات التركية، وأكد مجدداً انه سيتم بذل أقصى درجات الحذر من أجل عدم إلحاق الضرر بالمدنيين والبنية التحتية المدنية“.
فشلت تركيا في تحمل مسؤولياتها، كسلطة احتلال، بالحفاظ على سلامة وأمن السكان المدنيين المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، فكثرة وتجدد حالات الاقتتال الداخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها “أنقرة”، مع تفشي ظاهرة انتشار السلاح واستخدامه بين المدنيين، تؤكد أن المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، التي تطلق عليها تركيا تسمية “المنطقة الآمنة”، ليست آمنة البتّة، كما تتعرض فيها حياة المدنيين للخطر، خلافاً للبند السابع من الاتفاق الأمريكي-التركي.
كما أن عدم اتخاذ السلطات التركية المتحكمة بهذه المناطق فعليّاً، أي إجراءات حقيقية لضمان الأمن والسلامة، وغض الطرف عن حالات الاقتتال الداخلي بين الفصائل المسلحة التي أولتها إدارة المنطقة المحتلة، يخرق التزامها بدعم الحياة الإنسانية وحقوق الإنسان، خلافاً للبند الرابع من الاتفاق مع “واشنطن”، فإلى جانب وقوع ضحايا في صفوف المدنيين وخسائرهم المادية، خلال تلك الاشتباكات، تلاها تعرض مدنيين للاعتقال من قبل الفصائل المتقاتلة، في أكثر من مناسبة، بتهمة التعامل مع الفصيل الخصم، فضلاً عن اجبار المدنيين على النزوح خوفاً على حياتهم، ونهب منازلهم وممتلكاتهم.
[1] الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية، لاهاي في 18 تشرين الأول/أكتوبر 1907.
[2] ICRC, ‘Occupation and other Forms of Administration. Expert Meeting’, March 2012, p. 18.
[3] Amy Austin Holmes: Syrian Yezidis Under Four Regimes: Assad, Erdogan, ISIS and the YPG, The Wilson Center’s Middle East Program, No. 37 l July 2020. P.12: https://www.wilsoncenter.org/publication/syrian-yezidis-under-four-regimes-assad-erdogan-isis-and-ypg
[4] مفوضية اللاجئين: أكثر من 10،000 سوري عبروا الحدود العراقية منذ بدء الحملة التركية في شمال شرق سوريا، الأمم المتحدة، 25 تشرين الأول/أكتوبر 2019. (آخر زيارة للرابط بتاريخ 25 تموز/يوليو 2022). https://news.un.org/ar/story/2019/10/1042501
[5] لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا، 28 كانون الثاني/يناير 2020، الفقرة 54، رقم الوثيقة A/HRC/43/57.
[6] المصدر السابق.
[7] تمّ إجراء المقابلة بتاريخ 28 تموز/يوليو 2022، والتحفظ على اسمها بناءً على رغبتها.
[8] يُتهم قادة فصائل من “الجيش الوطني السوري” بالتورط في تجارة المواد المخدرة في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي شمال سوريا.
[9] وكانت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية iHH، قد نقلت 139 عائلة عراقية من رأس العين/سري كانيه وتل أبيض إلى تركيا، بتاريخ 2 حزيران/يونيو 2022، لإعادتها إلى بلادها بالتنسيق مع القنصلية العراقية في ولاية غازي عنتاب التركية ومكتب المهجرين والمغتربين العراقيين في اسطنبول، من بينها 131 عائلة كانت تقطن في مدينة رأس العين، وهي المرة الثانية التي تقوم فيها الهيئة بنقل عائلات عراقية من مناطق “نبع السلام” إلى داخل الأراضي التركية، حيث سبق أن قامت بنقل 57 عائلة عراقية من المنطقة في أيلول/سبتمبر 2021. للمزيد انظر: منظمة تركية تنسق عودة عشرات العائلات العراقية من رأس العين وتل أبيض، الخابور، 2 حزيران/يونيو 2022، (آخر زيارة للرابط بتاريخ 18 تموز/يوليو 2022). https://www.alkhabour.com/ar/news/single/1871/%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9_%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9_%D8%AA%D9%86%D8%B3%D9%82_%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9_%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D9%84%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9_%D9%85%D9%86_%D8%B1%D8%A3%D8%B3_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%8A%D9%86_%D9%88%D8%AA%D9%84_%D8%A3%D8%A8%D9%8A%D8%B6.
[10] بينهم أفراد من عائلات مسلحي فصائل الجيش الوطني السوري، وآخرون قامت تركيا بترحيلهم قسراً من أراضيها إلى المناطق التي تحتلها، بما في ذلك رأس العين/سري كانيه.
[11] ذكرت صفحات ومواقع محلية نقلت الخبر أن اسم الضحية “محمود اسماعيل الخضر”، لكن “تآزر” تحققت من الاسم وحيثيات الحادثة.
[12] تمَّ إجراء اللقاء معه بتاريخ 15 آذار/مارس 2022، وتحفظ الشاهد على نشر معلوماته الشخصية لأسباب أمنية.
[13] تعد قرية “العزيزية” الحدودية غربي رأس العين/سري كانيه نقطة لتهريب البشر إلى داخل الأراضي التركية بطريقة غير شرعية، منذ احتلال المنطقة نتيجة عملية “نبع السلام” التركية في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وتستثمرها فصائل “الجيش الوطني السوري” وتحديداً فرقة “الحمزة” و “أحرار الشرقية” والفرقة 20، غربي رأس العين/سري كانيه لجمع الأموال عبر فرض الاتاوات على الأشخاص الراغبين/ات بالعبور إلى تركيا بطريقة غير شرعية، فضلاً عن تهريب المحروقات والمواد الغذائية من وإلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
[14] تمَّ إجراء اللقاء عبر الأنترنت، بتاريخ 18 تموز/يوليو 2022، وتمَّ النشر تحت اسم مستعار بناءً على رغبة الشاهد.
[15] هو تحالف تأسس بتاريخ 23 كانون الثاني/يناير 2022، نتيجة اندماج “حركة ثائرون” التي تضم 9 فصائل من “الجيش الوطني السوري” أبرزها فرقة “السلطان مراد” و”فرقة السلطان سليمان شاه”، مع الجبهة السورية للتحرير المكوَّنة من فصيلين هما: “فرقة الحمزة” و “فرقة المعتصم”، وذلك في إطار كيان جديد يحمل اسم “هيئة ثائرون للتحرير”، بقيادة “فهيم عيسى”.
[16] تم إجراء اللقاء عن طريق الأنترنت، بتاريخ 15 تموز/يوليو 2022، وتمّ النشر تحت اسم مستعار بناءً على رغبة الشاهدة.
[17] يظهر مقطع فيديو تمَّ تداوله بتاريخ 22 نيسان/أبريل 2022 دخول دبابات ومدرعات تركية إلى رأس العين/سري كانيه لفض النزاع الدائر بين المجموعات المتقاتلة التابعة لـ “الجيش الوطني السوري”. (آخر زيارة للرابط بتاريخ 27 تموز/يوليو 2022).
[18] الحساب موثق بالعلامة الزرقاء، وتمَّ التحقق من أنه الحساب الرسمي لـ “عبدالله أرين”، الوالي السابق لولاية “شانلي أورفا” التركية.
[19] نشر الوالي التركي منشور زيارته في تمام الساعة 2:27 فجراً بتاريخ 23 نيسان/أبريل 2022، ويتضح في الصورة التي تظهر دخوله من المعبر الحدودي أنه عبر ليلاً، أي مساء يوم 22 نيسان/أبريل 2022.
[20] تمَّ إجراء اللقاء عبر الأنترنت بتاريخ 19 تموز/يوليو 2022، وتمَّ التحفظ على اسم الشاهد بناءً على رغبته.
[21] تمَّ إجراء المقابلة بتاريخ 6 حزيران/يونيو 2022، واخفاء معلومات الشاهد بناءً على رغبته.
[22] تمَّ إجراء اللقاء عبر اتصال هاتفي، بتاريخ 30 أيار/مايو 2022، وقد تم إخفاء اسم الشاهد حفاظاً على سلامته.
[23] نشرتها العديد من الشبكات المحلية على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحتفظ “تآزر” بنسخة منها في قاعدة بياناتها.
[24] وزارة الدفاع في “المؤقتة” تُصدر تعميماً لضبط حمل السلاح بمناطق سيطرتها، عنب بلدي، 13 نيسان/أبريل 2022. (آخر زيارة للرابط بتاريخ 25 تموز/يوليو 2022). https://www.enabbaladi.net/archives/564901.
[25] ICRC Commentary on GCII (2017), § 331.
[26] Turkey’s AFAD, Şanlıurfa governorate distribute aid in northern Syria, DAILY SABAH, 27 Nov 2020.
[27] Turkey restores water supply network for 35 Syrian villages, DAILY SABAH, 30 Dec 2020.
[28] UN Human Rights Committee (HRC), CCPR General Comment No. 26: Continuity of Obligations, 8 December 1997, CCPR/C/21/Rev.1/Add.8/Rev.1. §4.
[29] ICJ, Legal Consequences of the Construction of a Wall in the Occupied Palestinian Territory, Advisory Opinion, ICJ Reports 2004, p. 136, § 106.
[30] ICJ, Armed Activities on the Territory of the Congo (Democratic Republic of the Congo v. Uganda), Judgment, 19 December 2005, ICJ Reports 2005, para. 178.
[31]تركيا دولة طرف منذ 18 أيار/مايو 1954.
[32] ECtHR, Al-Skeini et al. v. the United Kingdom, Application no. 55721/07, Judgment (Grand Chamber), 7 July 2011, §§ 131-140.