الرئيسية منشورات المنصة على درب الحقيقة: نحو تكاتف الجهود لمعالجة قضية المفقودين في سوريا

على درب الحقيقة: نحو تكاتف الجهود لمعالجة قضية المفقودين في سوريا

رغم إنشاء "المؤسسة المستقلة" التابعة للأمم المتحدة، تظل قضية المفقودين في سوريا تحدياً كبيراً يتطلب تكاتف جهود المجتمع المدني، وتطوير آليات فعّالة لجمع وتبادل المعلومات، تُسهم في كشف مصير المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً وتحقيق العدالة لهم/ن

بواسطة editor
60 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

خلفية:

أثر النزاع السوري المستمر منذ عام 2011 على جميع مفاصل الحياة في البلاد، حيث انقسمت الجغرافية السورية، وتحولت البلاد إلى ساحة صراع متعدّد الأوجه بين أطراف محلية وإقليمية ودولية، مما أدّى إلى كارثة إنسانية هائلة؛ وكان سبباً دفع ملايين السوريين/ات للهجرة.

أحد الجوانب الأكثر مأساوية لهذا النزاع هو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تعرض ويتعرض لها السوريون/ات في مختلف مناطق السيطرة، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل أكثر من 350 ألف سوري/ة، كما إن عشرات الآلاف من المدنيين الذين اعتُقلوا تعسفياً، لا يزالون مختفين قسرياً، بينما تعرض آلاف آخرون لسوء المعاملة والتعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، أو الموت رهن الاحتجاز.

يُعتبر الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري من أبرز سِمات النزاع السوري؛ ويمثلان أحد الأسباب الرئيسية للجوء والتهجير القسريّان، وأحد أهم العقبات التي تحول دون إحلال السلام، ومن ثم أحد أكبر التحديات التي تعترض سبيل العدالة الانتقالية الحقيقية في المراحل اللاحقة.

اليوم، لا يمكن تحديد العدد الدقيق للمفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً في سوريا، نظراً إلى أن الغالبية العظمى من السجون ومراكز الاحتجاز لا تزال محظورة على المراقبين، لكن منظمات سوريّة تشير إلى أنّ عددهم/ن يبلغ عشرات الآلاف.

أدان قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2139، الذي تمّ تبنيه في فبراير/شباط 2014، عمليات الاختطاف والإخفاء القسري في سوريا، وطالب بوقف فوري لهذه الممارسات والإفراج عن جميع الأشخاص المحتجزين تعسفاً. مع ذلك، لم تُتخذ خطوات ملموسة لتنفيذ هذا الجانب من القرار، وفشلت جولات متعددة من المفاوضات السياسية في تحقيق أي تقدم.

بعد عام 2016، بدأتْ تتشكل روابط الضحايا والناجين/ات وأُسرهم/ن، وقادت مع شركاء المجتمع المدني السوري جهود المطالبة بإنشاء آلية دولية لكشف مصير المفقودين/ات في سوريا وتحقيق العدالة. تُوجت هذه الجهود في حزيران/يونيو 2023 بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء مؤسسة مستقلة تهدف إلى كشف مصير المفقودين/ات في سوريا ودعم أسرهم/ن.

ورغم أنه لم يتم تعيين رئيس للمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا بعد، إلا أنها تخطو خطوات عملية، إذ من المتوقّع أنّ تبدأ مع نهاية العام الحالي عمليات جمع وتنظيم وتحليل البيانات حول المفقودين/ات، ورسم استراتيجية واضحة لتقديم الدعم اللازم للضحايا وأسرهم.

ورغم هذه التطورات الإيجابية، لا تزال هناك تحديات كبيرة، حيث يحتاج أهالي المفقودين/ات إلى الدعم القانوني والنفسي، وتوعية أكبر حول كيفية الدفاع عن حقوقهم، فضلاً عن أن هناك نقصاً في الخبرة في التعامل مع الآليات الدولية المعنية. لذلك، فإن تعزيز جهود المناصرة والتوعية سيكون ضرورياً لضمان نجاح المؤسسة الجديدة في تحقيق العدالة والمصالحة.

 

مقدّمة:

رغم الجهود المبذولة، لا تزال روابط وجمعيات الضحايا والناجين/ات ومنظمات المجتمع المدني بحاجة إلى مناقشة القضايا المتعلقة بالمفقودين/ات بشكل مستمر، لتبادل التحديثات والتوصيات وتحقيق تكامل يُسهم في تحقيق تقدم ملموس في هذا الملف المعقد، لا سيما فيما يتعلق بجهود البحث، وسبل جمع وتبادل المعلومات والبيانات.

 وقد نظمت رابطة “تآزر” بين حزيران/يونيو وآب/أغسطس 2024 ثلاث جلسات تشاورية شارك فيها 48 ناشط/ة لنقاش آخر التطورات حول قضية المفقودين/ات في سوريا، بما في ذلك المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين IIMP، وبحث سبل جمع وتبادل المعلومات والبيانات حول المفقودين/ات، من أجل تقديم التوجيه والمساعدة في جهود البحث.

نُظمت جلستان بشكل حضوري (فيزيائي) في كل من الرقة والقامشلي داخل سوريا، بمشاركة 22 شخصاً من ممثلي/ات روابط الضحايا والأسر ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة في مناطق الجزيرة (محافظة الحسكة)، الرقة، دير الزور، كوباني، ومنبج. أما الجلسة الثالثة، فقد نُظمت بشكل افتراضي “عبر الأنترنت” بمشاركة 26 شخصاً من ممثلي/ات روابط الضحايا والأسر ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة داخل وخارج سوريا، ذلك لضمان شمولية المشاركة وتوسيع نطاق الحوار.

ركزت هذه الجلسات على تحسين آليات جمع وتبادل المعلومات المتعلقة بالمفقودين/ات، وتناول التحديات التي تواجه المنظمات العاملة في هذا المجال. وقد خلصت الجلسات إلى توصيات عملية تهدف إلى توحيد الجهود وتعزيز فعالية العمل المشترك.

 

المؤسسة المستقلة، التحديات والآفاق المستقبلية:

بعد اعتماد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء مؤسسة مستقلة تُعنى بقضية الأشخاص المفقودين/ات في سوريا، صدر مطلع كانون الأول/ديسمبر تقرير الأمين العام الذي يتضمن اختصاصات المؤسسة الجديدة، ولايتها ونطاقها، وإطارها القانوني، وأساليب عملها، وهيكلها، وتكوينها، وتعاونها مع الجهات الفاعلة المعنية الأخرى.

رغم التأخير في الخطوات العملية، إلا أنّ فريق “المؤسسة المستقلة” لم يتوقف عن العمل، حيث عقد سلسلة جلسات إحاطة دورية عبر الإنترنت، واستشارات شخصية واجتماعات ثنائية، لإبقاء المجتمع المدني السوري على اطلاع دائم بالتطورات في إنشاء المؤسسة وتلقي التوصيات وسماع الآراء. كما شارك فريق “المؤسسة المستقلة” في جلسات نظمتها “تآزر” مع أسر المفقودين/ات من جهة، ومع روابط الضحايا ومنظمات تعمل في سياق قضية المفقودين/ات من جهة أخرى. ومع ذلك، فإن تأخّر بناء الهيكل المؤسسي وتسمية الرئيس، وهي خطوة حاسمة لمتابعة العمل داخل المؤسسة.

من المقرر أن يتم تعيين رئيس للمؤسسة قريباً، ومن المتوقع أن تكون لديه خبرة في الملفات المتعلقة بالمفقودين والعدالة الانتقالية، وأن يكون قادراً على التعاون مع المنظمات الدولية والجهات الفاعلة ذات الصلة.

أهمية هذا المنصب كبيرة وقد تقدّمت روابط ميثاق الحقيقة والعدالة بتصوّر للمعايير التي ينبغي توفّرها لهذا المنصب لقيادة “المؤسسة المستقلة”، حيث سيعكس المنصب شخصية المؤسّسة وسيكون مطلوباً منه تلبية متطلبات معقدة، مثل القدرة على العمل الدبلوماسي على مستويات عالية، والتعاون مع روابط ضحايا ومنظمات فاعلة في هذه القضية، وأنّ يكون ملمّاً بالسياق الثقافي والسياسي للمنطقة، ليكون قادرا على فهم مُتطلبات معالجة قضية المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً في السياق السوري.

تواجه “المؤسسة المستقلة” تحديات كبيرة، بما في ذلك ضمان الاستقلالية في ظل التعقيدات السياسية في المنطقة. كما تعمل المؤسسة على بناء قاعدة بيانات دقيقة وشاملة حول المفقودين، ووضع آلية للتوثيق، ومن المتوقع أن يتم استكمال هذه الخطوات بحلول نهاية 2024.

إن نجاح هذه المؤسسة يعتمد إلى حد كبير على تعاون منظمات المجتمع المدني وروابط الضحايا لضمان تحقيق العدالة والمصالحة في سوريا.

 

التوصيات والمبادرات المستقبلية لدعم قضية المفقودين في سوريا:

لمعالجة قضية المفقودين في سوريا بفعالية، لا بد من تعزيز التنسيق بين مختلف الجهات المعنية، وقد أفضت النقاشات التي يسرتها “تآزر” إلى مجموعة من التوصيات تهدف إلى تعزيز فعالية الجهود المبذولة لمعالجة قضية المفقودين في سوريا وتحقيق العدالة لهم ولذويهم.

  1. تعزيز التعاون والتنسيق بين الروابط والمنظمات السوريّة: من خلال عقد لقاءات منتظمة بين الروابط والمنظمات والجهات الفاعلة لتنسيق الجهود، وتبادل وجهات النظر والمعلومات حول قضية المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً في سوريا.
  2. تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لذوي المفقودين/ات: تنظيم جلسات دعم نفسي منتظمة لعائلات المفقودين/ات، مع التركيز على تقديم المساعدة النفسية المتخصصة للنساء اللواتي يعانين من آثار الفقدان.
  3. تطوير وتوحيد منهجيات ومعايير التوثيق وحفظ البيانات، من خلال:
  • تنسيق وتوحيد معايير جمع البيانات وتوثيق حالات المفقودين/ات، بما يضمن دقة المعلومات وتحديثها المستمر.
  • إطلاق برامج تدريبية لتعزيز قدرات المنظمات المحلية في مجال التوثيق وجمع البيانات بما يتوافق مع المعايير الدولية.
  • وضع نظام مراجعة دوري لتحديث البيانات وتقييم مدى تطابقها مع المعايير المحددة.
  • تطوير نماذج شفافة للحصول على الموافقات المستنيرة من عائلات المفقودين، مع ضمان احترام حقوقهم وحمايتهم من أي مخاطر قد تنجم عن التعاون مع الجهات الدولية.
  1. تجنب إعادة التوثيق المُرهِق:
  • إجراء تقييم دقيق لتحديد الحاجة الفعلية إلى إعادة التوثيق، وتجنب فرض ضغوط نفسية على العائلات بتكرار جمع المعلومات.
  • تطوير طرق تواصل فعّالة مع الأهالي لتقديم الدعم المناسب وتخفيف الأعباء النفسية عليهم.
  1. تعزيز التواصل والإعلام والمناصرة حول قضية المفقودين:
  • تطوير استراتيجيات تواصل فعالة مع الجمهور لزيادة الوعي بأهمية عمل المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا.
  • تعزيز المناصرة الدولية من خلال استثمار الزخم الذي رافق قرار الأمم المتحدة بإنشاء المؤسسة المستقلة للمفقودين، وتوحيد الأصوات للمطالبة بإحراز تقدم حقيقي على الأرض.
  • تنسيق الجهود مع الشركاء للضغط على الجهات المسؤولة (أطراف النزاع في سوريا) لتحقيق تقدّم ملموس في هذه القضية.
  1. التعرف على هويات المفقودين/ات:
  • تكثيف الجهود لتحليل الرفات المُستخرجة من المقابر الجماعية وتحديد هويات المفقودين/ات بالتعاون مع الخبراء الدوليين.
  • الضغط على أطراف النزاع وجميع الجهات الفاعلة في الملف السوري للسماح للمراقبين الدوليين بالدخول إلى السجون والعمل من أجل كشف مصير المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق اقرا المزيد