الرئيسية تقارير مواضيعية أصوات المجتمعات المحلية في شمال وشرق سوريا إلى مؤتمر بروكسل الثامن

أصوات المجتمعات المحلية في شمال وشرق سوريا إلى مؤتمر بروكسل الثامن

استعرض مؤتمر "أصوات محلية" السياق العام في شمال وشرق سوريا، بما في ذلك التحديات الإنسانية وحالة حقوق الإنسان، وسبل تعزيز التعاون والتنسيق بين المنظمات المحلية والدولية، وتفعيل دور المنظمات المحلية وتعزيز قدراتها ووصولها إلى المنح، كما ناقش قضية هجرة السوريين إلى الخارج واستنزاف المجتمعات لطاقاتها، ومتطلبات تعزيز الاستقرار، واحتياجات وأولويات الضحايا، وقد أفضى إلى توصيات للفاعلين الدوليين والمانحين في مؤتمر بروكسل الثامن

بواسطة editor
402 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

مقدمة:

نظّمت رابطة “تآزر” للضحايا ومركز آسو للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، بالتعاون مع تحالف منظمات المجتمع المدني CSO-NES، ومنصة مؤسسات المجتمع المدني NGO Platform في شمال وشرق سوريا، مؤتمر “أصوات محلية”، بتاريخ 5 آذار/مارس 2024، بهدف إيصال أصوات المجتمعات المحلية في شمال وشرق سوريا إلى مؤتمر بروكسل الثامن لدعم مستقبل سوريا والمنطقة، والمقرّر انعقاده في مقر البرلمان الأوروبي في العاصمة البلجيكية، بروكسل، يوم 30 نيسان/أبريل 2024.[1]

استعرض مؤتمر “أصوات محلية” السياق العام في شمال وشرق سوريا، بما في ذلك التحديات الإنسانية وحالة حقوق الإنسان، وسبل تعزيز التعاون والتنسيق بين المنظمات المحلية والدولية، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني المحلية وتعزيز قدراتها ووصولها إلى المنح، كما ناقش قضية هجرة السوريين إلى الخارج واستنزاف المجتمعات لطاقاتها، ومتطلبات تعزيز الاستقرار، واحتياجات وأولويات الضحايا، وأفضى المؤتمر إلى توصيات ومقترحات لتقديمها للفاعلين الدوليين والمانحين في مؤتمر بروكسل الثامن.

وشارك في مؤتمر “أصوات محلية” الذي عُقد في مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا، 52 مشارك/ة، و11 متحدث/ة، ممثلين عن منظمات مدنية محلية ودولية، ومنتدى المنظمات غير الحكومية في شمال شرق سوريا (نيس فورم)، وهيئات خدمية في الإدارة الذاتية، بالإضافة إلى العديد من وسائل الإعلام، المحلية والإقليمية.

 

التحديات الإنسانية:

ركز المحور الأول من مؤتمر “أصوات محلية” على التحديات الإنسانية وحالة حقوق الإنسان في شمال وشرق سوريا، حيث تضمن تحليلاً للتحديات التي أدت إلى تفاقم الوضع الإنساني نتيجة النزاع المستمر في البلاد منذ عام 2011، بما في ذلك التحديات المتعلّقة بالنزوح الداخلي، ونقص الخدمات الأساسية، ونقص الغذاء والإغاثة، وتدهور الوضع الاقتصادي، ونقص الأمن والاستقرار، والحاجة إلى المزيد من الدعم والاستجابة الإنسانية.

وقد تمّ استعراض مجموعة نقاط ضمن المحور، بما في ذلك التدخّلات الطارئة في إطار خطط عمل المنظمات العاملة في قطاع التنمية، حيث تبرز الحاجة إلى التركيز على المشاريع التنموية طويلة المدى.

إنّ الاحتياجات في مختلف مناطق شمال وشرق سوريا، كالرقة ودير الزور والحسكة وكوباني ومنبج متقاطعة ومتشابهة، فهشاشة البُنى التحتية الصحية وقلّتها، وتضرر قطاعات الزراعة والطاقة وغيرها من القطاعات الحيوية؛ كالتعليم والخدمات، خلف احتياجات مشتركة ومتشابهة، وينطبق ذلك سوريا ككل أيضاً، حتى وإنّ كان سياق الأضرار مختلف أحياناً، ففي حين تفاقمت الأزمة الإنسانية نتيجة تعرض البنى التحتية والمرافق الحيوية في مناطق محافظة الحسكة/الجزيرة السورية وكوباني للتدمير بفعل الهجمات التركية المتكررة والمتعمدة بالمسيّرات والطائرات الحربية، فإنّ أرياف دير الزور وبدرجة أقل الرقة تتعرّض لهجمات متكرّرة وعمليات اغتيالات وإثارة القلاقل من قبل خلايا تنظيم الدولة الإسلامية؛ المعروف باسم “داعش”، كما أنّ جميع سكان مناطق شمال وشرق سوريا، بما فيهم النازحين داخلياً، ضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالمياه.

وتناول المحور أيضاً، التحديات الاقتصادية وتأثير استمرار النزاع على الاقتصاد المحلي وفرص التوظيف والتنمية الاقتصادية، والجهود الدولية والمحلية لإعادة إعمار المنطقة ودعم الاقتصاد المحلي، إذ لم تستطع المنظمات المدنية المحلية أن تلبي احتياجات المنطقة من الإنتاج والتنمية الحقيقية بشكل جيّد، وكان العائق والتحدّي الأبرز أمام ذلك هو ضعف التمويل لمناطق شمال شرق سوريا، وربما يعود الأمر إلى ضعف الاتساق ما بين القضايا الإنسانية والحالة التنموية، وقلّة مشاريع التنمية المستدامة.

منذ بداية الصراع السوري، بدأت أزمة القمح والغذاء والمياه في سوريا بالتفاقم يوماً بعد آخر، وقد مُنعت مجتمعات كاملة من حقّها بالحصول على مياه صالحة للشرب، بشكل متعمّد وتمييزي، وأحرقت المحاصيل نتيجة النزاع، وأحياناً كنوع من الانتقام في مناطق أخرى، وعانت مناطق شمال شرق سوريا في السنوات الأخيرة شحّاً في المياه بسبب أزمّة الجفاف التي ضربت سوريا والمنطقة مؤخراً، وأدّت إلى وصول الأمن الغذائي والمائي إلى مراحل حرجة للغاية.

إنّ الأمن الاقتصادي يرتبط بالحالة الأمنية والسياسية، حيث أنّ أحد أهمّ التحديات الاقتصادية يتمثّل بحالة اللااستقرار، فعلى سبيل المثال أدى تدمير البُنى التحتية والمرافق الحيوية نتيجة القصف التركي المركّز على مناطق شمال وشرق سوريا في عام 2023 ومطلع عام 2024 إلى خسارة 80% من الموارد النفطية الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، كما أنّ الاستثمارات في المنطقة لا تزال متواضعة، والموارد المالية المتاحة لا تغطي احتياجات المنطقة.

ووفقاً للمشاركين/ات، تتمثّل أحد التحديات الرئيسة في غياب مشاريع الطاقة البديلة وارتباط ملّفها بملفّ إعادة الإعمار، والذي لا يُمكن فكاكه عن الحالة السورية العامة، ومع كلّ حديث عن احتياجات المنطقة لمشروعات الطاقة البديلة، يتم إحالة الموضوع إلى الحلّ في سوريا.

 

حالة حقوق الإنسان:

قدّم المحور الأول أيضاً استعراضاً لـ حالة حقوق الإنسان في مناطق شمال وشرق سوريا، وتمّ نقاش تدهور حالة حقوق الإنسان والحاجة إلى برامج الحوكمة الرشيدة، وتعزيز الشفافية، وتطوير آليات فعّالة ومُجدية للإبلاغ والشكاوى والانتصاف الفعال للضحايا.

وساهمت التهديدات والهجمات التركية المستمرة والمعلنة على مناطق شمال وشرق سوريا في تعريض حقوق الإنسان الأساسية للخطر والانتهاك، حيث تشهد مناطق شمال وشرق سوريا، التي تسكنها مجموعات عرقية ودينية متنوعة، تصعيداً عسكرياً تركيّاً مُدمّراً، شمل استهدافاً للبنية التحتية الحيوية ومصادر النفط والطاقة، والمنشآت التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة من الكُرد والعرب والسريان/الاَشوريين ومئات اَلاف النازحين داخلياً، معظمهم من النساء والأطفال، والقادمين/ات من مناطق سوريّة مختلفة. لقد أدّت الهجمات التركية إلى زعزعة الاستقرار الهش أساساً في مناطق شمال وشرق سوريا، كما ساهمت في زيادة نزيف الهجرة من هذه المناطق إلى بلدان اللجوء.

 كما تفاقمت الأزمة الإنسانية والتحديات الكبيرة، منذ عام 2020، نتيجة إغلاق المعبر الإنساني الوحيد المُصرح له بدخول المساعدات الأممية إلى شمال شرق سوريا؛ وهو معبر اليعربية/تل كوجر، على الحدود السورية – العراقية، ففي كانون الثاني/يناير 2020، أجبرت روسيا “مجلس الأمن” على إغلاق ثلاثة معابر حدودية من أصل أربعة مصرح بها سابقاً، مما تسبب في قطع المساعدات العابرة للحدود بإشراف الأمم المتحدة بالكامل عن شمال شرق البلاد، وترك الوكالات الأممية تحت رحمة الشروط التعسفية وغير المبررة في غالب الأحيان التي تفرضها الحكومة. ما أدى إلى ضعف الاستجابة للاحتياجات الإنسانية، وساهم في بلوغ انعدام الأمن الغذائي مستويات عالية قياسية، حيث تستمر أسعار المواد الغذائية في الارتفاع بشكل حاد، ولا تزال الخدمات الأساسية محدودة جداً، وهناك نحو مليون نازح داخلي، بينهم عشرات الآلاف ممن يقطنون مخيمات غير رسمية.[2]

إنّ عشرات الآلاف من النازحين في مخيمات شمال شرق سوريا لا يتلقون مساعدات مستمرة أو كافية، مما يؤثر سلباً على حقوقهم الأساسية، فالمساعدات التي تقدمها وكالات “الأمم المتحدة” تتفاوت بين مخيم وآخر، مما يترك بعضها، خاصةً “غير الرسمية” منها -أي التي لم تحظى بعد باعتراف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة- بدون مساعدة كافية أو مستمرة، وعلى الرغم من أنّ المنظمات غير الحكومية الدولية تقدم مساعدات محدودة، فإن الفجوات المتعددة أدت إلى انهيار خدمات الصحة والنظافة ونقص في المواد الأساسية، ووفقاً لتقرير صادر عن “هيومن رايتس ووتش”، في 22 آب/أغسطس 2023، فإن ثمة حاجة ملحة لتأمين مآوي مناسبة للطقس، وصرف صحي كافٍ، ووصول ملائم إلى الغذاء ومياه الشرب النظيفة والرعاية الصحية والتعليم.[3]

وفيما يخص جهود بناء السلام في سوريا، ناقش المشاركين/ات حالة الإقصاء والتهميش التي تطال المجتمعات المحلية في شمال شرق سوريا عبر حرمانها من المشاركة في العمليات السياسية حول سوريا، كما هو الحال في اللجنة الدستورية أو الحوار الدستوري من أجل سوريا.

كما ركزت النقاشات على تضخّم أزمة المياه في مناطق الحسكة ودير الزور والرقة، نتيجة استخدام المياه كسلاح حرب وورقة ضغط من قبل أطراف النزاع، حيث تُقلص السلطات التركية، منذ عدة سنوات، حصة سوريا من مياه نهر الفرات، الذي يعتمد عليه أكثر من خمسة ملايين نسمة في سوريا كمصدر رئيسي للحصول على مياه الشرب، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

أيضاً، ومنذ احتلال منطقة رأس العين/سري كانيه من قبل تركيا في تشرين الأول/أكتوبر 2019، كنتيجة للعملية العسكرية التي أطلقت عليها “أنقرة” اسم “نبع السلام”، مُنعت مجتمعات في شمال شرق سوريا، من حقّها في الحصول على مياه كافية ومأمونة، بشكل متعمّد وتمييزي، من قبل الحكومة التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة منها، بسبب سلسلة الانقطاعات المتكررة في ضخ مياه الشرب من محطة “علّوك” للمياه في ريف رأس العين/سري كانيه. تعد محطة مياه علوك، التي شهدت خدماتها تكرار الانقطاع، المصدر الوحيد لمياه الشرب لحوالي 800 ألف شخص في شمال شرق سوريا، لا سيما سكان مدينة الحسكة وبلدة تل تمر والأرياف المحيطة بهما، بالإضافة إلى كونها المصدر الرئيسي لنقل المياه بالشاحنات لمخيمات) الهول و العريشة/السد و واشو كاني و سري كانيه (التي تضم عشرات الآلاف من النازحين داخلياً من محافظات ومناطق سوريّة مختلفة، بالإضافة إلى آلاف العراقيين والأجانب، ممن كانوا يعيشون سابقاً في مناطق كان يحكمها تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف باسم “داعش”)، ذلك بحسب اللجنة الدولة للصليب الأحمر.

كما قامت فصائل “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها تركيا في عام 2021، ببناء ثلاثة سدود ترابية على نهر الخابور، أدت إلى توقف تدفق المياه إلى مناطق قوات سوريا الديمقراطية، الأمر الذي تسبب بأضرار جسيمة على الزراعة والأمن الغذائي. جاء قطع مجرى مياه نهر الخابور في وقت شهدت فيه المنطقة جفافاً شديداً وارتفاعاً في أسعار الوقود، الأمر الذي منع العديد من المزارعين من تشغيل مضخاتهم، ومع عدم القدرة على الري، تُركت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بوراً (غير مزروعة).

إنّ حرمان المدنيين من الوصول إلى المياه الكافية والمأمونة، واستخدامها كسلاح حرب من قبل الحكومة التركية وغيرها من أطراف النزاع، فاقم الأزمة الإنسانية القائمة، وترك أثار كارثية على المجتمعات المحلية وعلى النظام البيئي والتنوع البيولوجي والهوية الثقافية في شمال شرق سوريا، التي تحتضن أكثر من مليون نازح داخلي، بينهم عشرات الآلاف ممن يقطنون مخيمات غير رسمية.

 

تعزيز التعاون بين المنظمات المحلية والدولية:

تناول المحور الثاني من مؤتمر “أصوات محلية” دور المنظمات المحلية فيما يتعلّق بتقديم الدعم والخدمات للمجتمعات المحلية، وكذلك أبرز التحديات التي تواجهها في ظلّ الظروف القائمة، والحاجة المستمرة إلى دعمها وتعزيز قدراتها، بما في ذلك وصولها إلى المنح والموارد.

تُعدّ مسألة استجابة المنظمات المحلية لاحتياجات المجتمعات المحلية مرتبطة ارتباطاً وثيقا بتعزيز مواردها ووصولها إلى المنح، وكذلك التعاون مع المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة، كما أنّ تقييم الاحتياجات والأولويات ينبغي أن يتم بشكل مباشر وبمشاركة الفئات المستهدفة، أي الضحايا أنفسهم/ن.

كما تناول المحور دور المنظمات الدولية في تعزيز الجهود التي تبذلها المنظمات المحلية في تقديم الدعم والمساعدة لشمال وشرق سوريا، ومناقشة كيفية تحسين التعاون والتنسيق بين المنظمات الدولية والمحلية لتحقيق أقصى قدر من الفعالية والتأثير.

ووفقاً للمشاركين/ات، فإنه من الثابت أنّ الدعم المقدّم لمناطق شمال شرق سوريا غير كاف، وأنّ وصول المنظمات المحلية إلى الموارد غير كافِ، لذا هناك حاجة ملحة لإقناع المانحين بتخصيص كتلة مالية مُتاحة الوصول بالنسبة للمنظمات المحلية، لاستخدامها في تلبية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً.

تطرق النقاشات أيضاً إلى بناء القدرات والتواصل وركزت على أهمية بناء القدرات المحلية وتعزيز الشراكات بين المنظمات المحلية والدولية، حيث أنّ المنظمات المحلية تمتلك معرفة أفضل للاحتياجات المحلية في المناطق التي تغطيها، لكنها تحتاج إلى بناء القدرات لتعزيز أدوارها، كما أنّ هناك قصورا في أوجه تبادل البيانات بين المنظمات الدولية والمحلية لتجنّب الازدواجية في تنفيذ المشاريع.

 

متطلّبات تعزيز الاستقرار واحتياجات وأولويات الضحايا:

تناول المحور الثاني هجرة السوريين الى الخارج واستنزاف المجتمعات لطاقاتها ومتطلّبات تعزيز الاستقرار واحتياجات وأولويات الضحايا، ومنها تأثير الهجرة على المجتمعات المحلية، والتي تمثّل تحدياً مجتمعياً كبيراً، حيث ترتبط الهجرة بشكل أكبر بعدم الاستقرار، الأمر الذي ينبغي إيلائه الاهتمام الكافي من قبل المجتمع المدني المحلي والمجتمع الدولي.

ناقش المشاركين/ات أيضاً أهمية العمل على زيادة التعاون والتنسيق مع المؤسسات الخدمية التابعة للإدارة الذاتية؛ لإحداث أثر أكبر وتلبية احتياجات المجتمعات المحلية، شريطة تطوير الحوكمة الرشيدة، وتعزيز الشفافية، وتبني مشاريع مشتركة من شأنها دعم الاستقرار في المنطقة.

ولا يُمكن العمل لمناصرة قضايا شمال شرق سوريا دون التشبيك بين المنظمات المحلية نفسها، وبين المنظمات المحلية والدولية، حيث ينبغي العمل على تحديد الاحتياجات، الأولويات، والمطالب، والذهاب بها إلى مؤتمر بروكسل للمانحين وغيره.

كما ينبغي التركيز على الاحتياجات اليومية للنازحين/ات والضحايا، وخاصةً قاطني المخيّمات التي تستدعي تدخلاً إنسانياً، لأنّ معظم المخيمات وخاصة التي تضم المهجرين/ات قسرياً والنازحين/ات تحتاج إلى مراجعة شاملة والبدء بدعم كافٍ. والعمل على حملات الحشد والمناصرة حول قضايا المفقودين وإعادة الممتلكات للمهجرين قسرياً، وغيرها من القضايا الحقوقية، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بدعم الاستقرار.

تطرقت النقاشات أيضاً إلى ضرورة الالتفات إلى القطاعات الحيوية؛ كالقطاع الصحي، حيث تنتشر في مناطق شمال شرق سوريا الكثير من الأوبئة كالتيفوئيد، والجرب والكوليرا وغيرها، تسبب حالات كالإجهاض والحساسية الجلدية المفرطة وغيرها من الآثار الصحية والنفسية، كما يشهد قطاع التعليم تدهوراً كبيراً، فضلاً عن انتشار الكثير من الآفات، كالمخدرات وغيرها.

 

توصيّات إلى مؤتمر بروكسل الثامن:

يستضيف مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل، بتاريخ 30 نيسان/أبريل 2024، يوماً للحوار بمشاركة المجتمع المدني السوري، كأحد فعاليات مؤتمر بروكسل الثامن لدعم مستقبل سوريا والمنطقة، يوم والذي ينظّمه الاتحاد الأوروبي، ويهدف المؤتمر إلى جمع التبرعات وتكريسها في مشاريع الدعم الإنساني للسوريين/ات، كما يوفّر منتدىً قيماً للحوار الدولي بشأن مستقبل سوريا والمنطقة، ويحدّد مسار وشكل الانخراط الدولي في الأزمة السورية للعام المقبل.

يُشكّل المؤتمر فرصة سنوية لإعادة التذكير بالواجب الأخلاقي تجاه المحنة الإنسانية المستمرة منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً من النزاع في سوريا، وضمان عدم تسييس المساعدات الإنسانية أو صبّها في اتجاهات من شأنها مفاقمة الظروف الإنسانية الهشّة أصلا.

يجب دعم آليات تعزيز الاستقرار، لوقف نزيف الهجرة، ودعم الصمود المجتمعي، وضمان عودة آمنة للنازحين والمهجرين قسرياً، والالتفات إلى المخيّمات المتعدّدة في الجغرافية السورية، والتي لا تحظى سوى بالحدّ الأدنى من الخدمات، فضلاً عن عدم الاعتراف ببعضها من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، ما يُفاقم الأزمة الإنسانية التي تواجهها المجتمعات المحلية.

يأتي مؤتمر بروكسل الثامن هذا العام، والأمور في مناطق شمال شرق سوريا تزداد سوءاً، ففضلا عن السياق العام للمنطقة والذي هو في تدهور وسط بنية هشة للخدمات في مختلف القطاعات، فقد تعرّضت المنطقة للقصف المنسّق من قبل الطيران التركي المسيّر والحربي، مستهدفا بنك أهداف في الصميم من حياة الناس، حيث المرافق الحيوية من محطات النفط والكهرباء، والأعيان المدنية، والتي حرمت أكثر من مليون شخص من خدمات الكهرباء والغاز المنزلي والمشتقات النفطية.

كما أنّ أزمة المياه لا تزال مستمرّة، حيث أنّ تسييس ملفّ المياه يخيّم على القضية، فلا تزال مياه “محطة علوك” مقطوعة، ولم يتدفّق منها الماء -الذي يُغذّي حوالي 800 ألف شخص بمن فيهم قاطنو المخيّمات من نازحين/ات ومهجرين/ات قسريا ولاجئين/ات- أبداً منذ قصف تركيا لمحطات الكهرباء اللازمة لتغذية المحطة، كما أنّ تقليص حصّة سوريا من مياه نهر الفرات ونصب السدود من جهة تركيا على مختلف الأنهار، أدى إلى تأثر حياة أكثر 4.800.000 ألف شخصاً.

ورغم السخاء الذي تعرضه بعض الدول المانحة منذ انعقاد أول مؤتمر للمانحين لسوريا، إلا أنّ الحرب الأوكرانية-الروسية وأحداث حرب غزة قد خطف الاهتمام الدولي بشكل كبير، إلا أنّ السوريين والسوريات والذي يعتبرون أنفسهم ضحايا يتطلعون إلى الالتزام بمساعدتهم رغم كلّ ذلك.

هناك إحساس عام بتهميش مناطق شمال شرق سوريا، سواء في العملية السياسية السورية، وتمثيلهم في اللجنة الدستورية والمؤتمرات الخاصة بسوريا. يتكرّر هذا الإحساس في المشاركة بمؤتمر بروكسل، ورغم أنّ ممثلي المنظمات المدنية مدعوون في هذه النسخة من المؤتمر بشكل أوسع، إلا أنّهم يطمحون بنقاش قضاياهم بشكل مباشر، وتعزيز وصولهم إلى المنح والموارد بما يُساهم في الجهود المحلية في دعم الصمود المجتمعي وتعزيز الاستقرار.

ولأجل توجيه رسائل وتوصيات من منظمات المجتمع المدني في شمال وشرق سوريا إلى مؤتمر بروكسل الثامن، فقد نظّمت رابطة “تآزر” للضحايا ومركز آسو للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، بالتعاون مع تحالف منظمات المجتمع المدني CSO-NES، ومنصة مؤسسات المجتمع المدني NGO Platform في شمال وشرق سوريا، مؤتمر “أصوات محلية”، بتاريخ 5 آذار/مارس 2024، بمشاركة ممثلي منظمات مدنية ومنتدى المنظمات غير الحكومية في شمال شرق سوريا (نيس فورم)، ذلك بهدف إيصال أصوات المجتمعات المحلية في شمال وشرق سوريا إلى مؤتمر بروكسل الثامن لدعم مستقبل سوريا والمنطقة.

 

وقد أفضى المؤتمر إلى التوصيات الآتية:

  • دعم الاستجابة الإنسانية:

يجب على الجهات المعنية الرئيسية في الأمم المتحدة ووكالاتها، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والمانحين الدوليين، وكذلك المنظمات غير الحكومية الدولية، زيادة التمويل الإنساني لتلبية الاحتياجات الإنسانية الطارئة في شمال شرق سوريا، بما في ذلك توفير المساعدات الغذائية والطبية والإيواء والمياه النظيفة.

كما يجب وضع الأمن الغذائي والمائي على قائمة الأولويات، والضغط من أجل حصول جميع السوريين/ات على مياه صالحة للشرب والاستخدام، وتحييد الموارد المائية من التجاذبات السياسية، ودعم الأنشطة التي من شأنها أن تساعد على إصلاح مرافق الانتاج الزراعي وتأمين الحاجات الأساسيات لزراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح، وتأمين أنظمة ري حديثة لكافة المناطق. وتعزيز دعم منظمات المجتمع المدني المحلية لتقديم المساعدات الإنسانية المباشرة للسكان المحليين والنازحين في المنطقة.

 

  • دعم آليات تعزيز الاستقرار:

ينبغي تقديم الدعم الكافي لمشاريع وبرامج التنمية المجتمعية والمستدامة في شمال وشرق سوريا، والتي من شأنها أن تساهم في تعزيز الاستقرار وتحسين جودة الحياة للسكان المحليين في المنطقةأعلى النموذج، مثل بناء المدارس والمستشفيات وتوفير فرص العمل، وكذلك مشاريع بناء وتحسين البنية التحتية في المنطقة، بما في ذلك تقديم الدعم اللازم لجهود ترميم البنى التحتية والمنشآت الحيوية التي دمّرتها تركيا من خلال هجمات متعمدة ومعلنة، ومنها محطات الكهرباء والمياه وبنى صحية ومرافق مدنية، حيث أظهر السلوك التركي نية مُعلنة في قصف هذه المنشآت مراراً، عبر استهداف بعضها لأكثر من مرة وفي أكثر من حملة.

تبرز الحاجة كذلك إلى دعم جهود تعزيز الحوار والتسوية السياسية في المنطقة، من خلال تمويل المشاريع التي تعمل على تعزيز الحوار والتفاهم بين الأطراف المختلفة وتحقيق السلام والاستقرار الدائم.

 

  • تعزيز قدرات المنظمات المحلية السوريّة:

سعياً لتحقيق مؤتمر بروكسل لهدفه في حشد الدعم المالي الحيوي للتخفيف من وطأة أزمة الاحتياجات الأساسية للسوريين، ينبغي تخصيص كتلة مالية مُتاحة الوصول بالنسبة للمنظمات المحلية، لاستخدامها في تلبية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً، وكذلك تعزيز قدرات المنظمات المحلية السوريّة وتعزيز وصولها إلى الموارد والمنح، لضمان وصول فعال ومُجدِ إلى المجتمعات المحلية في شمال وشرق سوريا، وتلبية احتياجات السكان بشكل أفضل. كما لابد من دعم البرامج التي تسعى إلى تعزيز التنسيق والشراكات بين المنظمات غير الحكومية، المحلية والدولية.

كما يجب دعم تطوير الإدارة المحلية في المنطقة، وتعزيز قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية وإدارة الشؤون المحلية بشكل فعّال، وكذلك دعم برامج تطوير الحوكمة، وتعزيز الشفافية، وتطوير آليات فعّالة ومُجدية للإبلاغ والشكاوى والانتصاف الفعال للضحايا.

 

  • العدالة في دعم مخيّمات النازحين والسعي لإيجاد حلول لها:

إنّ عشرات الآلاف من النازحين في مخيمات شمال شرق سوريا لا يتلقون مساعدات مستمرة أو كافية، مما يؤثر سلباً على حقوقهم الأساسية، فالمساعدات التي تقدمها وكالات “الأمم المتحدة” تتفاوت بين مخيم وآخر، مما يترك بعضها، خاصةً “غير الرسمية” منها بدون مساعدة كافية أو مستمرة. لذا يجب على وكالات الأمم المتحدة إجراء تقييم للتأكد من تلبية المعايير العالمية الدنيا للاستجابة الإنسانية في هذه المواقع، وتوسيع نطاق تقديم الخدمات ليشمل المقيمين فيها.

كما ينبغي على المانحين الدوليين زيادة التمويل بغية الاستجابة للطبيعة المطولة للنزوح في شمال شرق سوريا، وتأمين مآوي مناسبة للطقس، وصرف صحي كافٍ، ووصول ملائم إلى الغذاء ومياه الشرب النظيفة والرعاية الصحية والتعليم.

 

  • دعم مبادرات الضحايا والناجين/ات ومناصرة قضاياهم/ن:

يجب على المانحين الدوليين توجيه جهودهم نحو تقديم الدعم الشامل والمتكامل للضحايا والناجين/ات، وتقديم التمويل اللازم للمبادرات التي تسعى إلى دعم الضحايا وتعزيز حقوقهم، وتقديم الدعم اللازم لهم للتعافي النفسي والاندماج الاجتماعي، بالإضافة إلى دعم الجهود التي تهدف إلى تعزيز المساءلة والعدالة.

كما لابد من تقديم الدعم اللازم للبرامج التي تسعى إلى تمكين الضحايا والناجين/ات لتمثيل أنفسهم والدفاع عن حقوقهم، ودعم برامج التمثيل والمشاركة الفعّالة للضحايا والناجين/ات في عمليات صنع القرار والمساءلة، لضمان أنّ يتم سماع أصواتهم وتلبية احتياجاتهم ومطالبهم.

 

  • النهوض بعملية سلام شاملة لكل السوريين/ات:

يجب على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يعملوا على المضي قدماً نحو إيجاد حلّ سياسي يشمل جميع مكونات المجتمع السوري، إذ لا يمكن لأي مشروع سلام في سوريا أن يكون طويل الأمد وناجع، دون أن يكون جامعاً لكل أطياف الشعب السوري.

وتحقيقاً لهذا الغرض أيضاً، ينبغي على الأمم المتحدة اعتماد شكل أوسع من التعددية في عملية اختيار أعضاء اللجنة الدستورية السورية الحالية، والحرص بشكل خاص على توفير مقاعد لمندوبين عن مجتمعات شمال شرق سوريا التي تعاني من نقص التمثيل الفادح في اللجنة حالياً. إذ لا يمكن لنا أن نأمل بأن يكون الدستور خطوة مثمرة على الطريق نحو عملية سلام شاملة مالم يتم إشراك جميع مكونات الشعب السوري في صياغته.

 

  • التعامل بشكل دقيق مع العقوبات وضمان المراجعة الدورية لها:

إنَّ النضال من أجل مكافحة الإفلات من العقاب وتحقيق المساءلة هو من أولى أولويات العدالة الانتقالية، وعلى ضوء ذلك ينبغي على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول المشاركة في المؤتمر دعم مبادرات تحقيق المساءلة التي يرعاها المجتمع المدني السوري والمجتمع الدولي لمحاسبة كافة المنتهكين ووضعهم على قوائم العقوبات.

مع ضمان ألا تصبح العقوبات المفروضة على سوريا أداة لمفاقمة الوضع الاقتصادي للسوريين/ات. وعليه، ولضمان تجنب تضرر المجتمعات السورية، ينبغي إنشاء آلية مستقلة تشرف عليها الأمم المتحدة، لإجراء تقييم نزيه لمدى فعالية العقوبات ودراسة تأثيرها على السكان المدنيين بشكل دوري.

 


[1] في هذا العام، سيشهد المؤتمر أيضاً يوماً للحوار، بمشاركة المجتمع المدني السوري، في 30 نيسان/أبريل في مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل؛ وجزء وزاري يوم 27 أيار في مقر مجلس الاتحاد الأوروبي؛ بالإضافة إلى عدد من الفعاليات الجانبية وبرنامج ثقافي مخصص. مع حضور ما يقرب من 800 مشارك، أصبح مؤتمر بروكسل على مر السنين فرصة لا تقدر بثمن للمشاركة وتعميق الحوار مع المجتمع المدني السوري (من سوريا والدول المجاورة والشتات)، والجهات المعنية الرئيسية في الأمم المتحدة ووكالاتها، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وممثلين لدول طرف ثالث، وكذلك المنظمات غير الحكومية الدولية. كما يهدف المؤتمر الوزاري أيضًا إلى حشد الدعم المالي الحيوي للتخفيف من وطأة أزمة الاحتياجات الأساسية للسوريين والمجتمعات المضيفة لهم في البلدان المجاورة، وخاصة الأردن ولبنان وتركيا، وكذلك مصر والعراق. في مؤتمر بروكسل السابع الذي عقد في حزيران/يونيو 2023، تعهد المجتمع الدولي بما يقرب من 5.6 مليار يورو لعام 2023 وما بعده، منها أكثر من 3.8 مليار يورو تعهد بها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، حيث يساعد هذا التمويل الأشخاص المحتاجين داخل سوريا وفي البلدان المجاورة التي تستضيف اللاجئين السوريين. لقد كان الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء أكبر الجهات المانحة التي تدعم الناس في سوريا والمنطقة منذ بداية الأزمة في عام 2011، حيث حشدوا أكثر من 30 مليار يورو بشكل عام.

[2] يعتمد ملايين الأشخاص في شمال شرق سوريا، وكثير منهم من النازحين داخلياً، على تدفق الغذاء والدواء والمساعدات الأخرى الضرورية عبر الحدود. في عام 2020، استخدمت روسيا حق النقض “الفيتو” لإجبار “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” على إغلاق ثلاثة من المعابر الحدودية الأربع المُصرح لها باتجاه شمال سوريا، ما أدى إلى قطع المساعدات الأممية عبر الحدود عن الشمال الشرقي بالكامل، وزاد من صعوبة توزيع المساعدات في الشمال الغربي.

[3] اليوم، أكثر من 350 ألف شخص من سكان مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض شمال وشمال شرق سوريا، نازحين ومهجرين قسراً، نتيجة عمليتا “نبع السلام” و “غصن الزيتون” التركيتان، في عامي 2018 و2019، من بينهم أكثر من 36 ألف شخص يعيشون في ثلاثة مخيمات غير رسمية (واشو كاني وسري كانيه وتل السمن) في محافظتي الحسكة والرقة، وأكثر من سبعة آلاف نازح في خمسة مخيمات غير رسمية (العودة وعفرين والشهباء والمقاومة والعصر) في منطقة الشهباء شمالي حلب.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق اقرا المزيد