مقدمة:
وثقت رابطة “تآزر” للضحايا، اعتقال ما لا يقل عن 633 شخصاً، بينهم 40 امرأة و21 طفل/ة، بشكل تعسفي، خلال عام 2022، في منطقة عفرين الكُردية/السورية، على يد القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض، التي تدعمها “أنقرة”.
ثلاثة من المحتجزين فقدوا حياتهم نتيجة تعرضهم للتعذيب بشدة في سجون “الجيش الوطني السوري”، وتمَّ إطلاق سراح 208 أشخاص فقط، بينهم 13 امرأة و11 طفل، من عموم المحتجزين/ات، فيما لا يزال مصير 422 شخصاً، بينهم 27 امرأة و10 أطفال مجهولاً.
معظم عمليات الاحتجاز والحرمان من الحرية بشكل تعسفي في منطقة عفرين، طالت مدنيين كُرد، أما رغبةً من المسلحين في الابتزاز وتحصيل فدية مالية من ذويهم، أو بغرض ترهيبهم ودفعهم إلى مغادرة المنطقة للاستيلاء على ممتلكاتهم.
تعرض معظم المدنيين للاحتجاز، بسبب صلاتهم السابقة المزعومة بالإدارة الذاتية، واعتُقل البعض الآخر فقط لكونهم كُرداً، ومُنعوا من الاستعانة بمحام، وفي بعض الأحيان، استجوبهم مسؤولون أتراك بمساعدة مترجمين شفويين.
أشارت الإفادات التي جمعتها “تآزر” إلى أن قوات تركية وضباطاً أتراك كانوا موجودين بصفة منتظمة في مرافق الاحتجاز التابعة للجيش الوطني السوري، بما في ذلك في مقر الشرطة العسكرية وسجن حوار كلس، وهي أماكن انتشرت فيها إساءة معاملة المحتجزين، وأفاد ثلاثة محتجزين سابقين، أن مسؤولين أتراك كانوا حاضرين أثناء جلسات استجواب استُخدم فيها التعذيب.
وفي معظم الحالات التي وثقتها “تآزر” احتُجز المدنيون في سجون الشرطة العسكرية أو المدنية، وسجن عفرين المركزي، وسجن حوار كلس، وسجن المعصرة في أعزاز بريف حلب الشمالي، أو سجون الفصائل التي قامت باعتقالهم، في ظل ظروف احتجاز سيئة، فيما اقتيد آخرون إلى أماكن احتجاز مجهولة.
وفي مراكز الاحتجاز، وصف المدنيون تعرضهم للضرب المبرح والتعذيب أثناء الاستجواب، والحرمان مراراً من الطعام والماء، كما استجوبوا بشأن انتمائهم الإثني/القومي، ووثقت “تآزر” عمليات اعتقال مشتركة نفذتها قوات الشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني السوري وقوات الأمن أو الاستخبارات التركية في عفرين.
كان الضحايا – ومعظمهم من أصل كُردي – عند اختطافهم، يؤخذون عادةً إلى مقر المجموعة التي قامت باحتجازهم، في عفرين أو نواحيها/بلداتها، وكثيراً ما تعرض الضحايا لمصادرة ممتلكاتهم أو مواشيهم، كما استمرت عمليات التهديد والابتزاز حتى بعد الإفراج عنهم.
واختطفت فصائل مختلفة عدة مدنيين مرات متعددة، وبينما أُفرج عن بعضهم مقابل فدية مالية، فُقد آخرون أو عُثر على جثثهم بعد اختطافهم بأيام، كالشاب “عبد الرحمن العزو” (18 عاماً)، الذي عُثر على جثته بالقرب من نهر مدينة عفرين، بتاريخ 8 آب/أغسطس 2022، بعد يوم واحد على اختطافه من قبل مجموعة مسلحة، دون أن تقدم قوى الأمن التابعة للجيش الوطني السوري أو القوات التركية أي تفاصيل حول ملابسات الجريمة حتى الآن.
عمدت فصائل “الجيش الوطني السوري” إلى إخفاء عدد كبير من المحتجزين/ات قسراً، وعند اتصال أسرهم بمقاتلي تلك الفصائل للسؤال عن مكان أحبائهم، كان الرد في معظم الأحيان عدم إعطائهم أي معلومات أو تهديدهم وابتزازهم.
رافق احتجاز المدنيين، من أصول كُردية وايزيدية في المقام الأول، من قبل “الجيش الوطني السوري”، ممارسات أخرى مثل المصادرة المنهجية لممتلكات الضحية، والابتزاز والضرب، ما أجبر الكثيرين في نهاية المطاف على مغادرة ديارهم، وقد وثقت “تآزر” عشرات حالات الاعتقال التعسفي في منطقة عفرين، والتي كان هدفها الرئيسي، تهجير الضحايا قسراً.
للاحتجاز تأثير متعدد الأوجه على الرجال والنساء والأطفال، ويشمل ضروباً من الأذى الجسدي والذهني على حد سواء، إذ وصف معظم المحتجزين السابقين معاناتهم من آلام جسدية مزمنة ناجمة عن التعذيب الوحشي الذي تعرضوا له والحبس والظروف غير الصحية داخل مرافق الاحتجاز، فضلاً عن معاناتهم من صداع واضطرابات نفسية لاحقة للصدمة.
ولا تزال مئات أسر المختفين قسراً لدى “الجيش الوطني السوري” في منطقة عفرين، منذ احتلالها نتيجة عملية “غصن الزيتون” في عام 2018، تعاني من شعور عام بالكرب والضيق والحيرة، إذ لم تُوفر لها الحماية، وتُركت لتتدبّر أمورها بنفسها، وقد عملت الكثير من الأسر بلا كلل للحصول على معلومات عن ذويها المفقودين، ولكن من دون نجاح يُذكر.
المسؤولية القانونية:
انتهك “الجيش الوطني السوري” حقوق المحتجزين وفقاً للالتزامات القانونية الدولية، فقد اعتقلت فصائله المختلفة الأفراد واحتجزتهم تعسفاً، فضلاً عن ممارسة المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على المحتجزين والمختفين قسراً وعائلاتهم/ن، بوسائل منها تعمد إخفاء مصير هؤلاء الأشخاص وأماكن وجودهم، في انتهاك للقانون الدولي الإنساني والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان[1]، كما أن الاستبعاد الفعلي لهؤلاء الأشخاص من دائرة حماية القانون، إن وجدت هذه الحماية أساساً، والامتناع عن تحديد مصير هؤلاء الأشخاص يشكل أيضاً انتهاكاً للحق في الحياة.[2]
وفي ضوء الاستخدام الموثق المستمر للتعذيب ضد المحتجزين، وامتناع قيادة الفصائل والحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف السوري المُعارض عن اتخاذ خطوات فعالة لمنع مثل هذه الممارسات، توجد أسباب معقولة للاعتقاد أن “الجيش الوطني” قد يمارس مثل هذا السلوك عملاً بسياسة تنظيمية. ولذلك، قد يكون هذا السلوك جزءاً من هجوم منهجي على المحتجزين في عهدتها، يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية هي جريمة التعذيب.
لم يقم “الجيش الوطني السوري” بالتحقيق في ممارسات قواته، التي تستمر في اعتقال المدنيين، وإخفائهم قسراً، وانتهاك حقوقهم، كما لم تفعل الحكومة التركية، التي تمارس السلطة والقيادة الفعلية على تلك القوات، ما يكفي لتغيير سلوكها التعسفي، بل يتضح في بعض الحالات أنها كانت شريكة في ارتكاب تلك الانتهاكات.
لذا فأن الانتهاكات التي ترتكبها فصائل “الجيش الوطني السوري” قد تنطوي على مسؤولية جنائية للقادة العسكريين الأتراك الذين كانوا على علم بالجرائم أو كان ينبغي أن يكونوا على علم بها، أو لم يتخذوا جميع التدابير اللازمة والمعقولة لمنع أو قمع ارتكابها.[3]
في جميع الأحوال، وبصفتها قوة احتلال، على السلطات التركية ضمان عدم قيام مسؤوليها ومن تحت قيادتهم في “الجيش الوطني السوري” باحتجاز أي شخص تعسفياً أو إساءة معاملته، كما أنها ملزمة بالتحقيق في الانتهاكات المزعومة وضمان معاقبة المسؤولين عنها بالشكل المناسب.
الاعتقال التعسفي كسياسة ممنهجة:
مع بسط فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض سيطرتها على منطقة عفرين، منذ احتلالها من قبل تركيا في عام 2018، صارت ممارسة الاعتقال التعسفي والاحتجاز واسعة الانتشار، إلى جانب ممارسات أخرى، مثل المصادرة المنهجية لممتلكات الضحية، والابتزاز والضرب، وحتى القتل تحت التعذيب.[4]
كان معظم ضحايا الاعتقال التعسفي في منطقة عفرين، خلال عام 2022، ينتمون إلى أقليات دينية أو إثنية، وتعرضت عائلات معظمهم للابتزاز من قبل فصائل “الجيش الوطني السوري”، ما يؤكد أن هذه الممارسة ممنهجة، هدفها تهجير سكان المنطقة الأصليين، من الكُرد والايزيديين، والاستيلاء على ممتلكاتهم.
وكان شهر آب/أغسطس الأكثر تسجيلاً لحالات الاعتقال والاختفاء القسري، حيث تمّ توثيق 112 حالة اعتقال، من بينهم 8 نساء و11 طفل، تلاه شهر أيلول/سبتمبر بواقع 90 حالة اعتقال، فيما كان تشرين الأول/أكتوبر أقل الأشهر التي شهدت حالات اعتقال في عفرين، ورغم ذلك بلغ عدد المعتقلين/ات في ذاك الشهر 23 شخصاً.
وشهد الربع الثالث (تموز/يوليو وآب/أغسطس وأيلول/سبتمبر) من عام 2022، أكبر عدد من حالات الاعتقال التعسفي في منطقة عفرين، حيث تمّ توثيق اعتقال 278 شخصاً، بينهم 24 امرأة و18 طفل، تلاه الربع الأول (كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير وآذار/مارس) بواقع 137 حالة اعتقال، ثم الربع الثاني (نيسان/أبريل وأيار/مايو وحزيران/يونيو) بواقع 128 حالة، وأخيراً الربع الرابع (تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر) الذي شهد 90 حالة اعتقال.
وكان قوات “الشرطة العسكرية” مسؤولة عن ثلث حالات الاعتقال التعسفي في منطقة عفرين، خلال عام 2022، عبر تورطها بتنفيذ 203 حالات اعتقال، من مجمل الحالات التي وثقتها “تآزر”، تلاها “فيلق الشام” بتنفيذ 109 حالات اعتقال، فيما كانت قوات الاستخبارات التركية مسؤولة عن 89 حالة اعتقال في منطقة عفرين ونواحيها.
كما نفذت “الشرطة المدنية” 57 حالة اعتقال، والجبهة الشامية 41 حالة، وكانت الفرقة 13 مسؤولة عن 29 حالة، وفرقة الحمزة عن 23 حالة، وفرقة السلطان سليمان شاه/العمشات عن 16 حالة، وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) المُصنفة على قوائم الإرهاب عن 7 حالات اعتقال، فيما لم تتمكن “تآزر” من تحديد الفصائل المسؤولة عن حالات الاعتقال الأخرى في منطقة عفرين بشكل دقيق.
ويبين الجدول الآتي حيثيات حالات الاعتقال التعسفي في منطقة عفرين خلال عام 2022، وفق ما وثقته رابطة “تآزر” للضحايا:
الشهر | عدد حالات الاعتقال | رجال | نساء | أطفال | مُفرج عنهم/ن | قتلى تحت التعذيب | مجهولي المصير |
كانون الثاني | 45 | 43 | 2 | 0 | 23 | 1 | 21 |
شباط | 38 | 37 | 1 | 0 | 26 | 1 | 11 |
آذار | 54 | 49 | 4 | 1 | 40 | 0 | 14 |
نيسان | 41 | 39 | 1 | 1 | 28 | 0 | 13 |
أيار | 34 | 32 | 2 | 0 | 23 | 0 | 11 |
حزيران | 53 | 50 | 2 | 1 | 19 | 0 | 34 |
تموز | 76 | 70 | 6 | 0 | 5 | 0 | 71 |
آب | 112 | 93 | 8 | 11 | 18 | 0 | 94 |
أيلول | 90 | 73 | 10 | 7 | 14 | 0 | 76 |
تشرين الأول | 23 | 23 | 0 | 0 | 7 | 0 | 16 |
تشرين الثاني | 25 | 24 | 1 | 0 | 1 | 0 | 24 |
كانون الأول | 42 | 39 | 3 | 0 | 4 | 1 | 37 |
المجموع | 633 | 572 | 40 | 21 | 208 | 3 | 422 |
اعتمدت “تآزر” في توثيقاتها التي جمعتها في قاعدة البيانات الخاصة بها على شبكة باحثيها المنتشرين في المنطقة، والمعلومات التي حصلت عليها من مصادر أهلية وشهود عيان، فضلاً عن التحقق من معلومات المصادر المتاحة للعموم (المصادر المفتوحة).
وتُنوّه رابطة “تآزر” للضحايا، أن الانتهاكات التي ترتكبها تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض في منطقة عفرين، هي أكثر بكثير مما يتم توثيقها والتحقق منها بالاسم والكنية ومكان الاعتقال والتاريخ على سبيل المثال، إذ تعتقد الرابطة أنّ العدد الفعلي لحالات الاعتقال هو أعلى بكثير من الرقم الوارد في هذه الإحصائية.
القتل أثناء الاحتجاز:
وثقت “تآزر” مقتل 3 أشخاص على الأقل، نتيجة التعذيب الذي تعرضوا له أثناء احتجازهم في سجون فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض في منطقة عفرين، خلال عام 2022، بينهم محامي كُردي قُتل بعد ثلاثة أيام فقط على اعتقاله بشكلٍ تعسفي من أمام منزله في المدينة.
بتاريخ 19 كانون الأول/ديسمبر 2022، تعرض المحامي “لقمان حميد حنان” (45 عاماً) للاعتقال التعسفي من قبل دورية مشتركة تضم عناصر من “الجيش الوطني السوري” والقوات التركية، أمام منزله في حي “المحمودية” في مدينة عفرين، وعلى مرأى من ابنته البكر “ريفين”، أثناء خروجه لجلب الحلوى من أجل الاحتفال بعيد ميلادها التاسع.
بعد ثلاثة أيام فقط، علمت عائلة الضحية إن ابنها فقد حياته في المشفى العسكري في عفرين، بعد تدهور حالته الصحية نتيجة تعرضه للتعذيب في مركز احتجاز تابع للجيش الوطني السوري، وقد استلمت العائلة جثته ونشرت صوراً تظهر آثار التعذيب على جسده.
الضحية متزوج، وهو والد لثلاثة أطفال، وقد سبق أن تعرض للاعتقال مرتين سابقتين من قبل فصائل “الجيش الوطني السوري”، التي كانت تطلق سراحه في كل مرة بعد دفع عائلته فدية مالية مقابل الإفراج عنه.
قابلت “تآزر” شقيق الضحية “جميل حنان” الذي تحدث حول اعتقال شقيقه والتهم الموجهة له قائلاً:
“اعتُقل أخي بتهمة التعليق على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن حادثة تفجير إسطنبول، وتهم أخرى وُجهت له، من قبيل التعامل المزعوم مع الإدارة الذاتية، ومساعدة السكان المحليين من الكُرد في تحصيل ممتلكاتهم التي استولت عليها فصائل الجيش الوطني السوري المُعارض”.
حاولت عائلة الضحية متابعة قضية اعتقال ابنها ومعرفة مصيره، ولجأت إلى وسطاء من المدينة، من أجل التدخل والمساعدة في إطلاق سراحه مقابل فدية مالية، كما هو الحال عادةً، لكنها تلقت اتصالاً مفاجئاً وصادماً، تحدث حوله الشاهد قائلاً:
“لمدة ثلاثة أيام، لم نكن نعرف شيئاً حول مكان اعتقال أخي أو مصيره، حتى تلقى أخي الآخر، سيامند حنان، اتصالاً من المشفى العسكري التابع للجيش الوطني السوري في عفرين، يطلب منه مراجعة المشفى على الفور لاستلام جثة أخيه التي توفي نتيجة تعرضه لنوبة قلبية حادة في السجن”.
في صباح اليوم التالي توجهت عائلة وأقرباء الضحية إلى المشفى العسكري في عفرين للتعرف على جثته واستلامها، وسرد الشاهد ما حدث قائلاً:
“قابلت عائلتي الأطباء الذين عاينوا جثة أخي، وقالوا لهم إنَّه توفي إثر نوبة قلبية حادة تعرض لها في السجن، نتيجة عدم تناوله دوائه الخاص، كما أخبروا وسائل الإعلام، ومنها قناة أورينت، التي كانت حاضرة، ذات الرواية، من أجل التغطية على جريمة قتل أخي نتيجة التعذيب، وسوء ظروف الاحتجاز”.
عقب مقتل المحامي “لقمان حنان” أصدر مشفى عفرين العسكري تقريراً، بتاريخ 22 كانون الأول/ديسمبر 2022، عنونته بـ “محضر انتقال وكشف على جثة المتوفي لقمان حنان بن حميد وخديجة”، نفى وجود آثار تعذيب أو اضطهاد أو كسور أو خلوع أو خروج لرائحة أو مفرزات رائحة سامة من فم وأنف الضحية، وأنه توفي نتيجة توقف القلب والتنفس بسبب احتشاء عضلة قلبية حاد، دون الحاجة لتشريح الجثة، الأمر الذي نفته عائلة الضحية كُلياً، مؤكدةً أنَّ ابنها قُتل تحت التعذيب، ونشرت صوراً تُظهر آثار التعذيب على جسده.
دُفن الضحية في مقبرة قرية “زيدية” التابعة لمركز مدينة عفرين، وقالت عائلته إنها تجنبت دفنه في مسقط رأسه في قرية “حاج قاسم” التابعة لناحية “معبطلي/ماباتا” بسبب مسافة الطريق الطويلة إلى هناك، وكثرة الحواجز العسكرية على الطريق، المعروفة بتعاملها السيء مع السكان الأصليين من منطقة عفرين.
وبتاريخ 25 شباط/فبراير 2022، تداول ناشطون سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً لجثة شخص بدا عليها آثار تعذيب وحشي، تبين لاحقاً أنها تعود لضحية اسمه “عبد الرزاق طراد العبيد النعيمي”، الذي كان قد تمّ اعتقاله وتعذيبه في أحد المقرات الأمنية التابعة لفصيل “فيلق الشام” في منطقة عفرين، وهو ما أدى إلى مقتله.[5]
وكان “النعيمي” وهو نازح داخلياً من محافظه حماه إلى عفرين، قد تمّ اعتقاله قبل يوم واحد، بتاريخ 24 شباط/فبراير 2022، من قبل عناصر فصيل “فيلق الشام”، أثناء توجهه من منزله في قرية “جلمة” إلى مكتبه في ناحية “جنديرس”، حيث تلقى أحد أفراد عائلة “عبد الرزاق” اتصالاً عبر هاتف الضحية من عنصر من الفيلق، أبلغهم أنه موقوف لدى الفصيل وأنه قيد التحقيق وسوف يتم الإفراج عنه قريباً.
وكان فصيل “فيلق الشام” قد احتجز الضحية “عبد الرزاق النعيمي” في مقر[6] له قرب تل جنديرس الأثري، والذي هو بالأساس منزل تعود ملكيته لأحد أهالي المنطقة الأصليين واسمه “خوجة زيبي”، تمّ الاستيلاء عليه في سياق عملية “غصن الزيتون” التركية عام 2018.
وفي فجر يوم الجمعة 25 شباط/فبراير، قام فصيل “فيلق الشام” بتسليم جثة الضحية وعليها أثار تعذيب إلى قوات “الشرطة العسكرية” التابعة للجيش الوطني السوري، والتي قامت بعد عدة ساعات بإبلاغ ذوي الضحية بمقتله وتسليمهم الجثة.
وأظهرت صور جثمان الضحية التي تمّ تداولها بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي آثار تعذيب واضحة، لاسيما في منطقة الفخذين والظهر والرجلين، كما أظهرت كدمات وآثار القيود على اليدين والقدمين، وقال أحد أقارب الضحية في تسجيل صوتي تمّ تداوله أن تقرير الطب الشرعي أكّد تعرض الضحية للصعق بالكهرباء في منطقة (المؤخرة) ومنطقة (العضو الذكري) مما أدى إلى الوفاة.
وفي اليوم ذاته، 25 شباط/فبراير 2022، نشر فصيل “فيلق الشام” توضيحاً أقرّ فيه بواقعة تعذيب ومقتل “النعيمي” ضمن مركز توقيف يتبع للإدارة الأمنية للفصيل، وأكّد أنهم قاموا بتسليم جثمان الضحية لذويه وعليها آثار تعذيب، وأضاف الفصيل أنه “يستنكر هذا التصرف وقام بتوقيف لجنة التحقيق والعناصر المشرفة على مركز التوقيف الذي حدثت به الجريمة وتمّ تسليمهم للقضاء العسكري في عفرين، للتحقيق مع المتهمين ومحاسبة الفاعلين والمتسببين بها، بما يضمن تحقيق العدالة كاملة ضمن قضاء مستقل ومحايد”.
وفي نهاية شهر كانون الثاني/يناير 2022، فقد “ريزان محمد خليل” من قرية “جقلي/جقلا/جقلة فوقاني” التابعة لناحية شيخ الحديد/شيه بريف عفرين، حياته في أحد مشافي مدينة “الريحانية” التركية، بعد أن كان قد تمّ نقله إلى هناك من مشفى عفرين العسكري، بتاريخ 24 كانون الثاني/يناير، بسبب معاناته من نزيف دماغي نتيجة تعرضه للتعذيب والضرب على منطقة الرأس بأداة صلبة، في أحد مراكز الاحتجاز التابعة لفصيل “أحرار الشرقية” في مركز مدينة عفرين.[7]
تعرض “ريزان” للاعتقال على يد عناصر فصيل “أحرار الشرقية” في عفرين، عند قيامه بمراجعة مقر الفصيل الكائن في “شارع الفيلات” في مدينة عفرين، للاستفسار حول مصير ابن أخيه “آزاد عصمت خليل”، الذي كان قد اعتُقل خلال الأسبوع الأول من كانون الثاني/يناير 2022، حيث قام عناصر الفصيل باحتجاز “ريزان” أيضاً لمدّة خمسة أيام بعد ذلك، تعرض خلالها للضرب والتعذيب وهو ما أدّى إلى وفاته لاحقاً.
————————–
[1] قاعدة اللجنة الدولية للصليب الأحمر 98، كما وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الاختفاء القسري بأنه جريمة حرب مركبة، انظر/ي القاعدة 156.
[2] الأمم المتحدة، اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 36 (2018)، الفقرة 58.
[3] نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 28.
[4] للمزيد انظر تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، الصادر في شهر شباط/فبراير 2021، وتحديداً في الفقرة 41، رقم الوثيقة A/HRC/46/55. (آخر زيارة للرابط: 06 كانون الثاني/يناير 2023).
[5] للمزيد اقرأ تقرير: عفرين: مقتل مدني بسبب التعذيب على يد عناصر من “فيلق الشام”، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بتاريخ 31 آذار/مارس 2022. (آخر زيارة للرابط: 06 كانون الثاني/يناير 2023).
[6] الإحداثيات: 36.38777965722025, 36.69010468861586
[7] للمزيد اقرأ تقرير: عفرين: تفاصيل وفاة مدني بسبب التعذيب على يد “أحرار الشرقية”، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بتاريخ 1 آذار/مارس 2022. (آخر زيارة للرابط: 06 كانون الثاني/يناير 2023).