تمّ إعداد هذه الوثيقة بمنحة مالية مقدمة من قبل الاتحاد الأوروبي. تتحمل رابطة “تآزر” وحدها المسؤولية الكاملة عن محتوى هذه الوثيقة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها تمثل موقف الاتحاد الأوروبي.
مقدمة:
تحت شعار “الإنصاف والعدالة للجميع”، انعقد المنتدى السنوي الثالث للضحايا في شمال سوريا بتاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، لمناقشة أبرز القضايا المتعلقة باحتياجات وأولويات الضحايا، بما في ذلك كشف مصير المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً، سبل العودة الآمنة والطوعية للنازحين/ات والمهجرين/ات قسرياً، مواجهة تحديات الاستقرار، وضمان مساءلة مرتكبي الانتهاكات، بالإضافة إلى استعراض مسارات العدالة المتوفرة للضحايا في سياق الصراع السوري.
نُظم المنتدى في مدينة القامشلي، مع إتاحة المشاركة عبر الإنترنت، من قبل رابطة “تآزر” للضحايا، المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM)، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة (STJ)، رابطة دار لضحايا التهجير القسري، منصة أسر المفقودين/ات في شمال وشرق سوريا (MPFP-NES)، رابطة عفرين الاجتماعية، ولجنة مُهجري سري كانيه/رأس العين.
تأتي أهمية المنتدى في ظل التحولات السياسية الكبرى التي شهدتها سوريا مؤخراً، بما في ذلك سقوط “نظام الأسد” في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024. وتمثل النقاشات والتوصيات الصادرة عن المنتدى خطوة حاسمة في مواجهة تحديات المرحلة القادمة التي تحمل آمالاً بمستقبل جديد بعد 14 عاماً من الصراع. إذ إن سقوط النظام يضع مسؤولية كبرى على السوريين/ات للعمل بجدية من أجل بناء دولة يسودها العدل، ويتمتع مواطنوها بالحرية والأمان، عبر مسار عدالة انتقالية يُنصف الضحايا، يعيد الحقوق لأصحابها، ويضمن محاسبة شاملة لجميع مرتكبي الانتهاكات، بغض النظر عن انتماءاتهم.
استضاف المنتدى 11 متحدثاً ومتحدثة، وشارك فيه أكثر من 130 مشاركاً ومشاركة (80 مشارك/ة حضورياً و52 عبر الأنترنت)، وضم الحضور ناشطين/ات في الشأن العام، ومدافعين/ات عن حقوق الإنسان، وممثلين/ات عن المجتمع المدني ووسائل الإعلام.
توزعت أعمال المنتدى على ثلاثة محاور رئيسية، حيث ناقش المشاركون/ات في المحور الأول؛ حالة حقوق الإنسان في شمال سوريا، واحتياجات وأولويات الضحايا، سبل تعزيز الاستقرار، والعودة الآمنة والطوعية للنازحين/ات والمهجرين/ات قسرياً، أما المحور الثاني فقد تناول قضية المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً، بينما استعرض المحور الثالث آليات العدالة المتوفرة للضحايا في السياق السوري.
يُعقد المنتدى سنوياً لتسليط الضوء على قضايا تُعنى بحقوق الضحايا في شمال سوريا، والعمل على مناصرة توصياته مع الجهات الفاعلة محلياً ودولياً. حيث كانت النسخة الثانية من المنتدى السنوي للضحايا في شمال سوريا، قد عُقدت بتاريخ 27 تشرين الأول/أكتوبر 2023 تحت شعار “معاً صوتنا أقوى”، بينما انعقدت النسخة الأولى في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2022 تحت شعار “الحق في الحقيقة والعدالة”.
خلفية:
يُعدّ السوريين والسوريات بمختلف شرائحهم/ن ضحايا نزاع مستمرّ منذ أكثر من 14 عاماً، حيث تأثرت حياتهم/ن جميعاً بدرجات متفاوتة، وقد أدّت بعض الظروف إلى تفاقم معاناة فئات معينة من الضحايا، مثل النازحين داخلياً، الذين تعرضوا في كثير من الأحيان للتهجير قسري.
شهد السوريين/ات انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إذ قُتل أكثر من 350 ألف شخص خلال العقد الأول فقط من النزاع (2011-2021) بحسب الأمم المتحدة، ولا يزال عشرات الآلاف من المدنيين الذين اعتُقلوا تعسفياً في عداد المختفين قسرياً، فيما تعرض آلاف آخرون لسوء المعاملة والتعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، أو الموت أثناء الاحتجاز.
رافق النزاع انتهاكات أخرى ارتُكبت على نطاق واسع، تشمل مصادرة الممتلكات أو تدميرها أو احتلالها بصورة غير قانونية، وإجبار السكان على ترك منازلهم، وعرقلة عودة السكان الأصليين. كما تعرضت الأقليات الدينية والعرقية لاستهداف ممنهج، خاصةً في مناطق شمال سوريا، التي تتميز بتنوعها الديني والقومي والعرقي، حيث يعيش فيها المسلمون والمسيحيون والايزيديون، من الكُرد، والعرب، والأرمن، والسريان، والآشوريين، والشركس، والشيشان، والتركمان، وغيرهم.
أدى النزاع أيضاً إلى تدمير البنية التحتية والخدمات الاجتماعية، ما خلق احتياجات إنسانية هائلة، ودفع ملايين السوريين إلى اللجوء، سواءً للقارة الأوروبية أو الدول المجاورة، التي استغل بعضها ملف اللاجئين كأداة ضغط سياسي لابتزاز المجتمع الدولي والتدخل في سوريا.
إنّ غياب أو قلة المعرفة لدى الضحايا حول حقوقهم وآليات الدفاع عنها، يُضاعف من معاناتهم، ويجعلهم أكثر عرضة للانتهاكات، كما أن الإفلات من العقاب يُسهم في تفاقم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ومن هنا، يهدف المنتدى إلى توفير منصة تُمكن الضحايا من تمثيل أنفسهم والمطالبة بحقوقهم، وتعزيز التنسيق فيما بينهم ومع ضحايا آخرين سعياً لتحقيق العدالة.
الجلسة الأولى: حالة حقوق الإنسان في شمال سوريا، واحتياجات وأولويات الضحايا
تضمنت الجلسة الأولى عدة محاور رئيسية، وشارك فيها ستة متحدثين ومتحدثات حضورياً وعبر الإنترنت، لمناقشة حالة حقوق الإنسان في سوريا، واحتياجات وأولويات الضحايا، وسبل تحقيق العودة الآمنة والكريمة والطوعية للنازحين/ات والمُهجرين/ات قسرياً إلى مناطق سكنهم/ن الأصلية، مع التركيز على ضرورة مواجهة تحديات الاستقرار لضمان استدامة هذه الجهود وتحقيق العيش الكريم للجميع.
-
حالة حقوق الإنسان في شمال سوريا:
افتتحت الجلسة بعرض فيديو جرافيك تناول تطورات حالة حقوق الإنسان منذ بداية النزاع في عام 2011 وحتى الوقت الراهن. أظهر العرض أثر الصراع على المدنيين، بما في ذلك مقتل أكثر من 350 ألف مدني وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، إلى جانب آلاف حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وأشكال مختلفة من العنف الجسدي والنفسي، وصولًا إلى العنف الجنسي.
وقدم عز الدين صالح، المدير التنفيذي لرابطة “تآزر” للضحايا، استعراضاً شاملاً لحالة حقوق الإنسان في سوريا، مع التركيز على مناطق شمال البلاد، تناول الانتهاكات المستمرة مثل الاعتقال التعسفي، التعذيب، والإخفاء القسري، وصولاً للتهجير القسري والاستيلاء على الممتلكات. كما ناقش تأثير القصف السوري-الروسي على شمال غرب سوريا، والقصف التركي على شمال شرق البلاد، الذي تسبب في تدمير البنى التحتية ومصادر الطاقة، مما فاقم معاناة ملايين السكان في تلك المناطق.
-
احتياجات وأولويات الضحايا:
استضافت الجلسة متحدثين من رابطة عفرين الاجتماعية، ولجنة مُهجري سري كانيه/رأس العين، ناقشوا مع الحضور احتياجات وأولويات الضحايا، بما يشمل النازحين/ات والمُهجرين/ات قسرياً، سواءً في المخيمات أو خارجها، مع التركيز على التحديات التي تواجههم/ن، خاصةً في المخيمات غير الرسمية أو غير المعترف بها من قبل وكالات الأمم المتحدة، مثل مخيّمات أهالي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض وعفرين.
لا يزال أكثر من 350 ألف شخص من سكان مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض شمال سوريا، نازحين/ات ومهجرين/ات قسرياً، نتيجة عمليتيّ “نبع السلام” و”غصن الزيتون” التركيتيّن.
تعاني معظم المخيمات من اهتراء الخيم، وغياب خطط واضحة لاستبدالها، خاصةً مع حلول فصل الشتاء، كما أثيرت قضايا تتعلق بالطرد تعسفي لبعض النازحين من المخيمات، وتأثير انسحاب بعض المنظمات الإنسانية على توفير الإمدادات الأساسية.
ناقشت الجلسة أيضاً دور “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” في التعامل مع هذه الاحتياجات، لا سيما مع استقبالها نازحين جدد، مثل اللاجئين السوريين العائدين من لبنان، وسط غياب خطط عملية واضحة للاستجابة للأزمات التي تواجه قاطني المخيّمات.
-
سبل العودة الآمنة والطوعية:
ركزت النقاشات على تحقيق العودة الآمنة، الكريمة، والطوعية للنازحين/ات والمهجرين/ات قسرياً إلى مناطقهم الأصلية، حيث أكد “محي الدين عيسو” المدير التنفيذي لرابطة “دار” لضحايا التهجير القسري، على ضرورة الضغط على الحكومة التركية ومطالبتها بتوفير بيئة آمنة ومحايدة في المناطق التي تحتلها، كعفرين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، لتمكين النازحين/ات والمهجّرين/ات من العودة الطوعية، والكفّ بشكل فوري عن سياسات التغيير الديموغرافي، وإزالة الآثار الناجمة عن تلك الممارسات.
تنص القاعدة 132 من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي أنّ “للأشخاص النازحين الحق في العودة الطوعية بأمان إلى ديارهم أو أماكن سُكناهم المعتادة حالما تنتفي الأسباب الي أدت إلى نزوحهم“. إلا أنّ النازحين/ات والمهجّرين/ات قسرياً من عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض لا يزالون غير قادرين/ات على العودة، بسبب استمرار الانتهاكات وغياب سيادة القانون.
-
التهجير القسري وتداعياته:
رغم مرور خمسة أعوام على احتلال مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، لا يزال أكثر من 150 ألفاً من سكانها الأصليين مهجرين/ات قسراً، يعيش حوالي 40 ألفاً منهم ظروفاً إنسانية بائسة في مخيمات ومراكز إيواء تفتقر لأدنى مقومات الحياة، دون أي دعم أو اعتراف رسمي من قبل الوكالات الأممية.
في ظل الاحتلال التركي، شهدت المنطقة “تغييرات ديموغرافية هائلة” أثرت بشكل كبير على تنوعها العرقي والديني واللغوي، إذ تمّ تهجير أكثر من 85% من سكان رأس العين/سري كانيه، وأصبح الكُرد أقلية بعد أن تقلص عددهم من حوالي 70,000 إلى أقل من 50 شخصاً. أما في تل أبيض، فقد تقلص الوجود الكردي إلى بضع عائلات بعد أن كانوا يشكلون نحو 30% من السكان. كما تضاءل عدد الأرمن والسريان والايزيديين إلى أفراد معدودين، في حين تأثر الوجود العربي أيضاً بشكل ملحوظ.
وثقت رابطة “تآزر” في تقريرها الصادر بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2024 حول حالة حقوق الإنسان في رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، أنّ هذه المناطق تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان، لا حصر لها، منذ احتلالها من قبل تركيا في تشرين الأول/أكتوبر 2019، في ظل غياب المساءلة واستمرار الإفلات من العقاب.
أما في منطقة عفرين الكُردية السورية، وعلى الرغم من مضي أكثر من 6 أعوام على احتلالها، لا يزال أكثر من 200 ألف شخص من سكانها الكُرد نازحين ومهجرين قسرياً، بينهم أكثر من 120 ألف كانوا يعيشون في مدينة “تل رفعت” ومخيمات غير رسمية في منطقة الشهباء شمالي حلب.
تحديث: في سياق سقوط “نظام الأسد”، أدت عملية “فجر الحرية” التي شنتها فصائل “الجيش الوطني السوري” منذ 30 تشرين الثاني/نوفمبر على “مناطق الشهباء” شمالي حلب إلى تهجير قسري لأكثر من 120 ألف شخص، معظمهم من كُرد عفرين. نزح أكثر من 90 ألف شخص إلى مناطق شمال شرق سوريا، وسط نقص حاد في المأوى، الغذاء، المياه، والخدمات الطبية. كما وثقت رابطة “تآزر” في تقرير لها صدر بتاريخ 19 كانون الأول/ديسمبر 2024، موجة جديدة من الانتهاكات التي ارتكبتها فصائل “الجيش الوطني” بحق المدنيين الكُرد في عفرين، شملت استمرار منع العائلات من العودة إلى منازلها أو إجبارها على دفع مبالغ مالية كبيرة مقابل السماح بالعودة.
خلصت الجلسة إلى ضرورة العمل على ضمان العودة الآمنة، الطوعية، والكريمة للنازحين/ات والمهجرين/ات قسرياً، تعزيز المساءلة، ووقف سياسات التغيير الديموغرافي، مع تضافر جهود الفاعلين المحليين والدوليين لتحقيق العدالة وضمان حقوق الضحايا.
الجلسة الثانية: قضية المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً
ناقشت الجلسة الثانية من المنتدى آخر التطورات المتعلقة بقضية المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً في سوريا. تضمنت النقاشات استعراضاً لعمل المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، خططها المستقبلية، ودورها في معالجة هذا الملف المعقد. كما تمّ تسليط الضوء على دور المجتمع المدني وروابط الضحايا، وأهمية المشاركة الفاعلة والقيادية للأسر في تحقيق تقدم ملموس في هذه القضية.
كما ناقشت الجلسة خطط “اللجنة المعنية بالمفقودين في شمال وشرق سوريا” -التابعة الإدارة الذاتية- للتعاون مع “المؤسسة المستقلة” وأسر المفقودين/ات، إلى جانب التعقيدات الإقليمية المرتبط بقضايا المختطفين/ات والمفقودين/ات لدى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا والعراق، بما في ذلك جهود البحث عن المفقودات والمختطفات الايزيديات.
-
المؤسسة المستقلة: إنجازات وتحديات
تظل قضية المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً واحدة من أكثر القضايا إلحاحاً وتعقيداً في سوريا، بسبب تورط جميع أطراف النزاع في ممارسات الإخفاء القسري، وتشير التقديرات إلى أن عدد المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً في سوريا يتجاوز 100 ألف شخص.
رغم هذا التعقيد، عملت روابط الضحايا ومنظمات المجتمع المدني على مدار سنوات لمعالجة هذه القضية، وصولاً إلى إعلان الأمم المتحدة في حزيران/يونيو 2023 عن تأسيس المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، بهدف توضيح مصير وأماكن وجود جميع الأشخاص المفقودين/ات في سوريا وتوفير الدعم الكافي للضحايا، بما في ذلك الناجين والناجيات وأسر المفقودين/ات، بالتعاون الوثيق والشامل مع جميع الأطراف المعنية.
تمثل هذه “المؤسسة المستقلة” سابقة في عمل الأمم المتحدة، حيث جاءت بعد مشاورات مكثفة مع أسر وروابط الضحايا ومنظمات المجتمع المدني السوري. ووفقاً لاختصاصات المؤسسة، فأنها ستطبق نهجاً يُركز على الضحايا والناجين/ات، وتكون شاملة لأسر المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً، بحيث تكون مشاركة الضحايا والأسر فاعلة ومتأصلة في جميع مراحل عمل المؤسسة.
ستعمل “المؤسسة المستقلة” على تحديد مصير وأماكن وجود الأحياء من المفقودين/ات، وتحديد أماكن دفن رفات المتوفين/ات منهم/ن، وتحديد هويات أصحابها وإعادتها إلى الأُسر؛ كما أنها ستوفر دعماً للضحايا والناجين/ات وأسرهم/ن.
ورغم التأخر في الخطوات العملية، كبناء الهيكل المؤسسي وتسمية رئيس/ة للمؤسسة المستقلة، إلا أن فريقها لم يتوقف عن العمل، حيث عقد سلسلة جلسات إحاطة دورية عبر الإنترنت، واستشارات شخصية واجتماعات ثنائية، لإبقاء أسر وروابط الضحايا والمجتمع المدني السوري على اطلاع دائم بالتطورات في إنشاء المؤسسة وتلقي التوصيات وسماع الآراء.
تحديث: بتاريخ 19 كانون الأول/ديسمبر 2024 أعلن الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” عن تعيين السيدة “كارلا كينتانا” من المكسيك رئيسة للمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا.
-
دور العائلات ومنظمات المجتمع المدني:
يلعب ذوو المفقودين/ات دوراً أساسياً يتجاوز الانتظار؛ فهم شركاء فعّالون في جهود الكشف عن مصير أحبائهم وتحقيق العدالة. لهذا الغرض، ساهمت “تآزر” في تأسيس منصة أسر المفقودين/ات في شمال وشرق سوريا (MPFP-NES)، في حزيران/يونيو 2024، التي تجمع -حتى الآن- أكثر من 550 عائلة من عائلات المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً لدى كافة أطراف النزاع في سوريا، ومن خلفيات أثنية ودينية وعرقية ولغوية متنوعة، وتسعى لإيصال أصواتهم إلى المؤسسة المستقلة وجميع الأطراف المعنية.
كما تلعب روابط وجمعيات الضحايا ومنظمات المجتمع المدني السوريّة دوراً فاعلاً، إذ إنّ قضية المفقودين/ات في سوريا ليست مجرد قضية حقوقية، بل أيضاً قضية إنسانية تُجسد معاناة عشرات الآلاف من العائلات، وعليه فإن السعي لإحراز تقدم في هذا الملف يتطلب تضافر الجهود الدولية والمحلية، وضمان المشاركة الفاعلة للعائلات لضمان تحقيق العدالة والمصالحة في سوريا.
تحديث: أدى سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 إلى إطلاق سراح آلاف السجناء والسجينات بعد فتح العديد من السجون، لكن رغم ذلك، لا يزال مصير عشرات الآلاف من المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً مجهولاً. لا يمكن اعتبار فتح سجون النظام حلاً نهائياً لهذه المأساة. فهذه القضية تتجاوز حدود النظام السابق، حيث تورطت جميع أطراف الصراع في ارتكاب جرائم الإخفاء القسري والتعذيب الذي أودى بحياة الآلاف، كما توجد عشرات المقابر الجماعية التي تتطلب جهوداً مكثفة للكشف عنها وضمان تحقيق العدالة للضحايا وأسرهم.
الجلسة الثالثة: آليات العدالة المتوفرة للضحايا
ركزت الجلسة الثالثة على استعراض مسارات العدالة المتاحة للضحايا السوريين/ات، على المستوييّن المحلي والدولي، مع التأكيد على الدور المحوري لمشاركة الضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن في الجهود الرامية إلى كشف الحقيقة، تحقيق المساءلة، وضمان العدالة.
استضافت الجلسة كل من “بسام الأحمد” المدير التنفيذي لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة (STJ)، و “مازن درويش” المدير العام للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM)، ودار خلالها نقاش موسع مع المشاركين/ات حول مسارات المساءلة المتوفرة حالياً، كالولاية القضائية العالمية، وسبل العدالة الممكنة، حالياً ومستقبلاً.
ختاماً، أكدت الجلسة على ضرورة تكاتف الجهود الدولية والمحلية لتحقيق العدالة، مع الإشارة إلى أن التوثيق المستقل والممنهج يبقى أساساً لا غنى عنه لضمان مصداقية وفعالية مسارات المساءلة المختلفة.
-
التوثيق الركيزة الأساسية لتحقيق العدالة:
تحدث بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة (STJ)” حول أهمية التوثيق باعتباره الأساس الذي تُبنى عليه كل العمليات المتعلقة بتحقيق العدالة، بدءاً من كشف الحقيقة، ووصولاً إلى محاسبة الجناة، وضمان عدم تكرار الانتهاكات. وأوضح أنّ التوثيق يشمل عمليات الرصد، جمع الأدلة، والتحقق من المعلومات، مشدداً على أنه لا يمكن تحقيق الإنصاف أو محاسبة الجناة دون بناء قاعدة بيانات دقيقة وشاملة تدعم الجهود القانونية والحقوقية.
وأشار “الأحمد” إلى أنّ التوثيق ليس مجرد خطوة تمهيدية؛ بل هو العمود الفقري الذي تعتمد عليه كل الجهود اللاحقة، سواءً كانت تقارير حقوقية، حملات المناصرة، أو تقديم أدلة إلى المحاكم الوطنية والدولية، لذا، يجب أن تُنفّذ عمليات التوثيق وفق معايير دقيقة واحترافية تراعي السياقات المرتبطة بالانتهاكات، مع تنظيم المعلومات بشكل فعّال يُسهل استخدامها.
من أبرز التحديات التي تواجه عمليات التوثيق، هي تعقيد عمليات التحقيق في الانتهاكات الجسيمة مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، في ظل سنوات من المنع من قبل مختلف أطراف النزاع للمنظمات المحلية والدولية والأممية من التوثيق بحرية في سوريا. لكن رغم هذه التحديات، فأنّ التوثيق المستقل والدقيق وغير المسيّس، يُعد أداة فعالة لتحقيق العدالة ومحاسبة الجناة، ما يجعله خطوة لا غنى عنها لضمان عدم تكرار الانتهاكات.
-
آليات العدالة ومسارات المساءلة
من جانبه، تحدث مازن درويش، المدير العام للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير، حول آليات العدالة المتوفرة للضحايا في السياق السوري، مشيراً إلى أنّ العدالة ليست انتقاماً، ولا سلاحاً يستخدمه الخصوم ضد بعضهم البعض، بل هي وسيلة موضوعية لإنصاف الضحايا وأساس متين لتحقيق السلام المستدام.
وأكد درويش أن التوثيق هو الركيزة الأساسية التي يُبنى عليها أي مسار لتحقيق العدالة المستقبلية، والنضال القانوني هو سلسلة من الخطوات التراكمية التي تهدف في النهاية إلى تحقيق عدالة شاملة، مشدداً أنّ تحقيق العدالة يتطلب رفض كافة الجرائم دون استثناء، بغض النظر عن هوية أو انتماء مرتكبيها، مع الالتزام بالدفاع عن حقوق جميع الضحايا.
وبحسب درويش، فأنّ العدالة في سوريا لا يمكن تحقيقها دون توافق سياسي شامل، إذ تُعد الجهود الحالية -عبر الولاية القضائية العالمية- مسارات بديلة وضرورية لتحقيق الإنصاف للضحايا، في ظل غياب مسار وطني عادل.
وشهد مسار العدالة خلال الفترة الماضية إنجازات مهمة، من بينها إصدار مذكرات توقيف بحق الرئيس السوري “بشار الأسد” وشقيقه “ماهر” واثنين من كبار المسؤولين العسكريين السوريين بسبب اتهامهم بالمسؤولية عن الهجمات الكيميائية على الغوطة ودوما في آب/أغسطس 2013، والأحكام الغيابية بالسجن المؤبد الصادرة بحق اللواء “علي مملوك” واللواء “جميل الحسن” والعميد “عبد السلام محمود” في قضية مازن وباتريك الدباغ. بالإضافة إلى قرار محكمة العدل الدولية المتعلق بالإجراءات المؤقتة في الدعوى المقدمة من هولندا وكندا ضد الحكومة السورية بسبب انتهاكاتها لاتفاقية مناهضة التعذيب.
التوصيات:
أفضت النقاشات خلال جلسات المنتدى عن مجموعة من التوصيات التي تهدف إلى إنصاف الضحايا، وضمان الكشف عن مصير المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً، إضافةً إلى تعزيز جهود المساءلة وصولاً إلى تحقيق العدالة. وتتطلب هذه التوصيات تكامل جهود جميع الأطراف المعنية، من الفاعلين المحليين والدوليين، لتحقيق رؤية شاملة ومستدامة تضع حقوق الضحايا وكرامتهم في جوهر العملية.
أولاً: تحسين أوضاع النازحين في المخيمات
- دعوة الأمم المتحدة للاعتراف الرسمي بالمخيمات غير الرسمية في شمال شرق سوريا، وتقديم الدعم اللازم لتلبية احتياجات النازحين الأساسية.
- توفير بنية تحتية مستدامة للمخيمات، تشمل تحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة، التعليم، المياه، والكهرباء.
ثانياً: تعزيز الاستقرار
- دعوة المجتمع الدولي لمطالبة الحكومة التركية بوقف الهجمات على الأعيان المدنية والبنى التحتية في شمال شرق سوريا، وضمان محاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب.
- الضغط على الحكومة التركية لوقف استخدام المياه كسلاح ضد السكان، وتحييد الموارد المائية عن النزاعات السياسية.
- ضمان وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود لسكان شمال شرق سوريا، عبر معبري اليعربية/تل كوجر وسيمالكا/فيشخابور دون قيود سياسية، نظراً للطبيعة المنقذة لهذه المساعدات.
ثالثاً: ضمان العودة الآمنة والطوعية للنازحين/ات والمُهجرين/ات قسراً
- الضغط على الحكومة التركية للاعتراف باحتلالها لمناطق شمال سوريا، ومن ضمنها عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض، والوفاء بالتزاماتها كدولة احتلال بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، بما يشمل الانسحاب الفوري من المناطق المحتلة.
- ضمان عودة النازحين/ات والمُهجرين/ات قسراً إلى مناطقهم الأصلية بشكل آمن، طوعي، وكريم، بما يتوافق مع المعايير الدولية.
- إزالة آثار سياسات التغيير الديموغرافي في المناطق المحتلة، وضمان استعادة الحقوق والممتلكات المسلوبة للسكان الأصليين.
رابعاً: الكشف عن مصير المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً
- الضغط على جميع أطراف النزاع في سوريا للكشف عن مصير المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً، وتحديد أماكن دفن رفات المتوفين/ات وتحديد هويات أصحابها وإعادتها إلى الأُسر، وتقديم الدعم والتسهيلات اللازمة للناجين/ات وعائلاتهم.
- دعم جهود المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا لضمان تحقيق تقدم ملموس في هذه القضية.
- تعزيز دور أسر المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً ومشاركتهم الفاعلة والقيادية في جهود كشف المصير وتحقيق العدالة.
- التعاون مع المنظمات المحلية والدولية لتطوير آليات فعّالة لكشف مصير المفقودين/ات والمختفين/ات قسرياً وضمان حقوق ذويهم/ن.
خامساً: العدالة الانتقالية ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات
- دعم جهود التوثيق المستقل والشامل لانتهاكات حقوق الإنسان كركيزة أساسية لتحقيق العدالة.
- التعاون مع المحاكم الدولية والمحلية لضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات، وتطوير آليات فعّالة للعدالة الانتقالية.
- تقديم الدعم القانوني والإنساني للضحايا وتوفير آليات انتصاف فعّالة تتوافق مع رؤيتهم للعدالة.
سادساً: تمكين الضحايا وتعزيز مشاركتهم
- تنظيم برامج تدريبية لزيادة الوعي لدى الضحايا بحقوقهم وآليات المطالبة بها.
- دعم المنظمات المحلية والمبادرات المجتمعية التي تعمل على تمكين الضحايا وتعزيز دورهم في جهود كشف الحقيقة وتحقيق العدالة.
- توفير كل أنواع الدعم (القانوني والطبي والنفسي والاجتماعي) بشكل كافي وفعّال للضحايا والناجين/ات والنازحين/ات والمهجرين/ات قسرياً.
سابعاً: دعم جهود التوثيق والمناصرة:
- توثيق جميع انتهاكات حقوق الإنسان، أياً كانوا الضحايا وأياً كانت الجهات المُنتهكة، بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء والاعتقال التعسفي، التعذيب، والإخفاء القسري، والتهجير القسري، وانتهاكات حقوق الأرض والسكن والملكية وغيرها.
- تقديم التوثيقات والأدلة إلى الهيئات الأممية وآليات العدالة الوطنية والدولية لدعم جهود كشف الحقيقة، المساءلة، وتحقيق العدالة في سوريا.
- تمكين الضحايا والناجين/ات وأسرهم/ن من قيادة حملات المناصرة وتمثيل قضاياهم/ن بشكل مباشر.
ثامناً: التنسيق مع الجهات المحلية والدولية:
- تعزيز التعاون والتنسيق مع الجهات الفاعلة الدولية والمحلية لضمان تنفيذ التوصيات ومناصرتها على كافة المستويات.
- دعوة المجتمع الدولي لدعم مسارات العدالة في سوريا، بما في ذلك إنشاء صندوق لتعويض الضحايا.
يمكنكم/ن قراءة التقرير بالكامل (12 صفحة) من خلال الرابط.