الرئيسية تقارير مواضيعية الأقليات والشعوب الأصلية في شمال سوريا: من التهميش إلى التمكين

الأقليات والشعوب الأصلية في شمال سوريا: من التهميش إلى التمكين

يُلخص التقرير أبرز نقاشات وتوصيات المنتدى السنوي الأول لقضايا الأقليات والشعوب الأصلية في شمال سوريا، من منظور حقوقي وجندري

بواسطة editor
124 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

مقدمة:

شهدت مدينة القامشلي في شمال شرق سوريا، يوم 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، انعقاد “المنتدى السنوي الأول لقضايا الأقليات والشعوب الأصلية في شمال سوريا“، تحت شعار “مستقبل يبنيه التنوع”، والذي مثّل منصة للنقاش حول قضايا شعوب المنطقة، من منظور حقوقي وجندري.

نُظم المنتدى فيزيائياً وعبر الأنترنت من قبل رابطة “تآزر” للضحايا، بالشراكة مع منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة“، ومؤسسة “آرتا” للإعلام والتنمية، ومنظمة تدمرتو للتنمية والتماسك المجتمعي، ومنظمة جسر – Bridge، بهدف تسليط الضوء على التحديات التي تواجهها الأقليات والشعوب الأصلية في شمال سوريا، من وجهة نظر جندرية، وتحديد احتياجاتهم وأولوياتهم، من أجل بناء توافقات حول رؤى مشتركة للمستقبل، تُعزز مشاركة الأقليات في المجتمع المدني وجهود بناء السلام وتحقيق العدالة.

استضاف المنتدى 11 متحدث/ة، وأكثر من 90 مشارك/ة (فيزيائياً وعبر الأنترنت)، من نشطاء وناشطات في الشأن العام، ومدافعين/ات عن حقوق الإنسان، وممثلين/ات عن المجتمع المدني والإعلام، إلى جانب فاعلين/ات من الأقليات والشعوب الأصلية، كـ الكُرد، والسريان، والأرمن، والايزيديين.

تضمن المنتدى ثلاثة محاور رئيسية، ناقش فيها المشاركون/ات: 1. حقوق الشعوب الأصلية والمجتمعات الدينية في شمال سوريا (الكُرد والسريان والأرمن والآشوريين والايزيديين وغيرهم) كاللغة، والدين، والمعتقد، الثقافة والفن، وحقوق الإنسان الأساسية “الصحة والتعليم وغيرها”. 2. قضايا الأقليات والشعوب الأصلية في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. 3. التمكين والتمثيل السياسي للأقليات والشعوب الأصلية في شمال سوريا، ومشاركتهم في صناعة القرار، ودستور ومستقبل البلاد. ركزت جميع المحاور والنقاشات على أهمية تمكين المرأة، ودورها الريادي في الحوار وعمليات بناء السلام.

نُظم المنتدى بالتزامن مع الدورة 17 لـ”منتدى الأمم المتحدة المعني بقضايا الأقليات“، المقرر انعقاده في جنيف يومي 28 و29 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، حيث ستُقدم توصيات منتدى شمال سوريا إلى الأمم المتحدة والفاعلين المحليين والدوليين، لتكون صوتاً فاعلاً يعكس تطلعات الأقليات والشعوب الأصلية في شمال سوريا.

 

شعوب أصلية أم أقليات؟ الإطار القانوني في سياق شمال سوريا:

أجمع المشاركون/ات في المنتدى السنوي الأول لقضايا الأقليات والشعوب الأصلية في شمال سوريا، من الكُرد والسريان والآشوريين والأرمن والايزيديين، على أنهم شعوب أصيلة تمتد جذورهم التاريخية والجغرافية عميقاً في شمال سوريا. هذا التحديد يتجاوز كونه خلافاً مصطلحياً؛ إذ يحمل أبعاداً قانونية مهمة تُحدد طبيعة الحقوق والحماية المكفولة بموجب القانون الدولي.

فـ الأقليات، وفقاً لإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية أو دينية ولغوية، لعام 1992، هم جماعات بشرية تتميز بهوية قومية، دينية، أو لغوية مختلفة عن الأغلبية السكانية في دولة ما. يمنح هذا الإعلان الأقليات حقوقاً أساسية، منها:

  • الحماية من التمييز والتهميش، وضمان مشاركتهم الكاملة في الحياة العامة والسياسية.
  • الحفاظ على هويتهم الثقافية واللغوية وممارساتهم الدينية دون تدخل.

أما الشعوب الأصلية، فقد خصصت لهم الأمم المتحدة إعلاناً مستقلاً عام 2007 يُعرف بـ”إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية“. يتميز هذا الإعلان بتوفير حماية أوسع تشمل:

  • الحق في تقرير المصير الداخلي وإدارة شؤونهم الثقافية واللغوية والدينية.
  • الاعتراف بحقهم في الأراضي والموارد التي عاشوا عليها تاريخياً، وضمان عدم نزع ملكيتها دون موافقتهم الحرة والمسبقة.
  • التمكين السياسي والإداري لضمان مشاركتهم الفعّالة في القرارات المتعلقة بمصيرهم.

في سياق شمال شرق سوريا، يُعتبر الكُرد (بما فيهم الايزيديين)، والسريان، والأرمن، والآشوريون، شعوباً أصيلة، بالنظر إلى وجودهم وارتباطهم التاريخي الوثيق بالمنطقة وعمق دورهم ومساهماتهم فيها. ومع ذلك، قد يُصنفون أيضاً كـ”أقليات” على المستوى الوطني، لأن عددهم أقل مقارنةً بالأغلبية العربية.

هذا التداخل بين التعريفين يُبرز تحديات قانونية وسياسية، خاصةً في ضوء التحولات التي شهدتها المنطقة. فعلى الرغم من أن القانون الدولي يكفل حقوقاً أساسية للأقليات، فإنه يفرض التزامات أعمق على الدول تجاه الشعوب الأصلية، تشمل الاعتراف الدستوري بهويتهم وحقوقهم الجماعية، وتمكينهم من المشاركة في إدارة مناطقهم التاريخية.

بالنسبة لشمال شرق سوريا، يُعد الاعتراف بهذه المكونات كشعوب أصيلة أساساً لتحقيق العدالة والإنصاف، وضمان التعددية الثقافية، وتعزيز التماسك الاجتماعي. كما أن الجمع بين الحماية المقررة للأقليات والاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية يُمكن أن يشكّل إطاراً شاملاً يعالج الاحتياجات والتطلعات المشروعة لهذه الشعوب.

 

الجلسة الأولى: حقوق الأقليات والشعوب الأصلية في شمال سوريا

في الجلسة الأولى من المنتدى، ناقش المشاركون/ات والمتحدثون/ات؛ الانتهاكات التي تعرضت لها الشعوب الأصلية في شمال سوريا، سواء قبل النزاع أو خلاله، مع تسليط الضوء على التحديات الحالية التي تواجه هذه المجتمعات، والفرص المتاحة لتعزيز حقوقها. تناولت النقاشات مواضيع محورية تتعلق باللغة والدين والمعتقد، والثقافة والفن، إلى جانب الحقوق الأساسية كالصحة والتعليم وغيرها.

تمثل الشعوب الأصلية والمجتمعات الدينية في شمال شرق سوريا، مثل الكُرد (بما فيهم الايزيديين)، والسريان، والآشوريين، والأرمن وغيرهم، مكونات أساسية في النسيج الاجتماعي والتاريخي للمنطقة. إلا أن هذه المجتمعات عانت لعقود -قبل النزاع في سوريا- وبدرجات متفاوتة من سياسات الإقصاء والتمييز الممنهجة على يد السلطات السورية. كانت السياسات التي اتبعتها الحكومة السورية تستهدف هويتهم الثقافية واللغوية والدينية، حيث جرى فرض التعريب، ومنع استخدام لغاتهم في المؤسسات العامة والتعليمية، مما أثر بشكل كبير على قدرتهم في الحفاظ على ثقافاتهم وهوياتهم.

مع تفاقم النزاع السوري، أصبحت هذه الشعوب عرضة لانتهاكات جسيمة من أطراف متعددة. فقد تعرضوا لهجمات وحشية على يد تنظيم “داعش”، الذي استهدف بشكل خاص المجتمعات الدينية المسيحية والايزيدية في مناطق شمال سوريا، حيث تمّ اختطاف المدنيين ونهب الممتلكات وتدمير البنية التحتية. كما أن فصائل “الجيش الوطني السوري” التابع للحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والمدعومة من تركيا؛ ارتكبت انتهاكات واسعة، كالقتل، الاعتقال التعسفي، والتعذيب، ضد الكُرد في مناطق مثل عفرين ورأس العين/سري كانيه.

تعرض الكُرد الايزيديون لانتهاكات مُركبة ومضاعفة على يد أطراف متعددة، مثل تنظيم “داعش” و”الجيش الوطني السوري”. جاءت هذه الانتهاكات بدوافع قومية ودينية معاً، حيث استُهدفوا مرةً لكونهم كُرداً، ومرةً أخرى لكونهم من معتنقي الديانة الايزيدية. هذا الاستهداف المزدوج جعل المجتمع الايزيدي عرضة لهجمات منهجية شملت القتل، والاعتقال التعسفي، والتعذيب، والتهجير القسري، والاختطاف، والعنف الموجّه الذي يهدف إلى محو هويتهم القومية والدينية معاً.

يعكس هذا الاستهداف المزدوج التمييز العميق الذي عانى منه الايزيديون تاريخياً بسبب خصوصيتهم القومية والدينية. وتظهر شدة هذه الانتهاكات في تدمير وتدنيس مواقعهم الدينية، ومحاولات إجبارهم على تغيير عقيدتهم، مما يبرز الجهود المبذولة لتطهيرهم عرقياً وثقافياً.

ركزت النقاشات أيضاً على أهمية معالجة التحديات القائمة، مثل التمييز المؤسسي وغياب الاعتراف الدستوري بحقوق هذه الشعوب، مع اقتراح توصيات للاعتراف بهذه الحقوق وترسيخها، وضمان المساواة في الوصول إلى الخدمات الأساسية، كالصحة والتعليم، ضمن إطار قانوني ودستوري عادل.

  • الحقوق الثقافية واللغوية: سياسات محو الهوية

عانى الكُرد من سياسات ممنهجة تهدف إلى محو هويتهم الثقافية، حيث فرضت الحكومة السورية مناهج تعليمية باللغة العربية، التي فُرضت كلغة رسمية في جميع مجالات الحياة العامة، بينما كانت اللغة الكُردية محظورة في المدارس والمؤسسات الحكومية. كما شملت السياسات التعريبية تغيير أسماء المدن والقرى الكُردية، مما كان له أثر طويل المدى على الذاكرة الثقافية الجماعية للشعب الكردي.

أما السريان والآشوريين والأرمن، فقد عانوا من قيود شديدة على ممارسة شعائرهم الدينية بلغاتهم الأصلية، حيث اقتصرت على الشعائر والطقوس الكنسية، ما أدى إلى تراجع استخدامها في التعليم وفي الحياة العامة. وكانت حقوقهم اللغوية والثقافية رمزية إلى حد بعيد، ولم تسهم السياسات الحكومية في دعم جهودهم للحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية.

أنّ سياسات التعريب في سوريا لم تقتصر على اللغة والثقافة فقط، بل شملت حتى اسم الدولة نفسها، حيث تم تغييره إلى “الجمهورية العربية السورية”، منذ عام 1961، مما ساهم في تعزيز شعور الإقصاء والتمييز تجاه الأقليات الثقافية والدينية في البلاد.[1]

اليوم، تتكرر هذه الانتهاكات بحق الكُرد “بما فيهم الايزيديين” والسريان والأرمن في مناطق شمال سوريا؛ الخاضعة لإدارة الحكومة السورية المؤقتة وفصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا، من خلال فرض سياسات تعسفية ضد هويات هذه المجتمعات، بما في ذلك محو الثقافات والمعتقدات الأصلية وتقييد الحقوق اللغوية والدينية.

  • الحقوق الدينية والمعتقدات:

قبل النزاع، عانت الأقليات الدينية في سوريا من التهميش على المستوى الوطني، وبشكل خاص الكُرد الايزيديون، حيث كانوا ولا يزالون من بين أكثر المجتمعات الدينية تهميشاً في سوريا، ولم يُعترف بهم كديانة مستقلة في الدستور السوري، وافتقروا إلى قانون أحوال شخصية خاص بهم -أسوة بالديانات الأخرى- كما فُرضت عليهم مناهج دراسية إسلامية، لا تعترف بمعتقداتهم الدينية الخاصة، مما أسهم في طمس هويتهم الثقافية والدينية. هذه السياسات جعلت من الصعب على الأجيال الجديدة من الايزيديين الحفاظ على تراثهم الديني والثقافي.

بعد النزاع، تفاقمت معاناة الايزيديين، بدءاً من الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها في منطقة سنجار/شنكال العراقية في عام 2014 على يد تنظيم “داعش”، حيث تعرضوا لعمليات اختطاف وقتل واستعباد جنسي، واحتجاز ونقل آلاف الايزيديات وأطفالهن إلى سوريا، حيث تعرضوا لفظائع تفوق الخيال بحسب وصف لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا.[2]

بعد ذلك أيضاً استمرت معاناة الايزيديين في المنطقة، ولكن على يد فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض، حيث تعرّضوا لانتهاكات عديدة في عفرين ورأس العين/سري كانيه، خلال وعقب عمليتي “غصن الزيتون” في عام 2018 و”نبع السلام” التركية في عام 2019. تشمل الانتهاكات الموثقة؛ القتل والاعتقال التعسفي، والتضييق الديني عبر منعهم من ممارسة شعائرهم وطقوسهم والاحتفال بمناسباتهم الدينية، فضلاً عن نبش وتدمير المزارات والمواقع الدينية الايزيدية بشكل متعمد.[3]

كما تعرض الآشوريون في قرى حوض الخابور وتل تمر لانتهاكات جسيمة على يد “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش” خلال النزاع السوري. في شباط/فبراير 2015، شن تنظيم “داعش” هجمات واسعة على القرى الآشورية، قام خلالها باختطاف أكثر من 200 شخص، بينهم نساء وأطفال، واحتجازهم كرهائن، مطالباً بفدى مالية كبيرة مقابل الإفراج عنهم. كما تمّ تدمير عدد من الكنائس التاريخية ونهب ممتلكاتها، في محاولة لطمس الهوية الدينية والثقافية للآشوريين في المنطقة. تسببت هذه الانتهاكات في تفريغ المنطقة من سكانها الأصليين، الذين عانوا من التهجير القسري وفقدان ممتلكاتهم وذاكرتهم التاريخية. اليوم، تتكرر هذه الانتهاكات بحق الأرمن والسريان والآشوريين في مناطق المعارضة السورية، حيث تُمارس بحقهم سياسات قمعية من قبل الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا، مما يعمق معاناة هذه المجتمعات ويعرض هويتهم الثقافية والدينية لخطر إضافي.

  • الصحة والتعليم، حقوق أساسية مفقودة:

اتفقت النقاشات خلال الجلسة على غياب سياسات وطنية شاملة تضمن للشعوب الأصلية في شمال شرق سوريا، مثل الكُرد، والايزيديين، والأرمن، والسريان والآشوريين وغيرهم، الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية والتعليمية المناسبة، حيث تواجه هذه المجتمعات تحديات كبيرة في الحصول على الخدمات الأساسية بسبب النزاع المستمر. كما تعاني هذه المجتمعات من غياب مناهج تعليمية تعترف بثقافاتهم وحقوقهم اللغوية والدينية، مما يعيق قدرة الأجيال القادمة على الحفاظ على هويتهم الثقافية. بالتالي، لا تزال هذه المجتمعات تعاني من آثار التمييز والإقصاء التي طالما تعرضت لها في الماضي.

  • التحديات والفرص:

أكد المشاركون أن التحديات الرئيسية تكمن في غياب الاعتراف القانوني والدستوري بحقوق الأقليات والشعوب الأصلية في شمال سوريا. وعلى الرغم من التحديات المستمرة، تمثل تجربة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا؛ تجربة أفضل من حيث حقوق الشعوب الأصلية، فقد تمكنت هذه الإدارة من وضع إطار قانوني يعترف باللغات الكُردية والسريانية والأرمنية، ويعزز التعليم بهذه اللغات، فضلاً عن منح مساحات أكبر للحقوق الدينية والثقافية للأقليات. ومع ذلك، يبقى هذا الإطار القانوني غير مكتمل في ظل الحصار الاقتصادي والصراع المستمر.

لذلك، من الضروري بناء دستور سوري جديد يعترف بهوية وحقوق هذه الشعوب، ويضمن التعددية الثقافية والدينية كركيزة للسلام المستدام والعدالة الانتقالية في البلاد.

 

الجلسة الثانية: دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي

ركزت الجلسة الثانية من المنتدى على دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تمثيل قضايا الأقليات الثقافية والدينية، مع تسليط الضوء على أهمية العناصر اللغوية والثقافية في تعزيز الهوية الجماعية والتعددية الثقافية في المجتمع السوري.

ناقش المشاركون/ات التحديات التي تواجه الأقليات في الإعلام، أبرزها التنميط السلبي وخطاب الكراهية، وطرحوا حلولاً لتعزيز خطاب إعلامي يعكس التنوع الثقافي والديني بشكل منصف. تمّ تسليط الضوء على نماذج ناجحة من الإعلام متعدد اللغات، مثل إذاعة آرتا، التي تبث برامجها بأربع لغات: العربية، الكُردية، السريانية، والأرمنية، في إطار يعكس ثراء المنطقة وتعدد مكوناتها، وكذلك وسائل الإعلام بلغة الأقليات، مثل إذاعة سورويو. كما تناولت النقاشات تجارب أخرى لقنوات وإذاعات في شمال شرق سوريا، التي خصصت محتوى لغوياً وثقافياً لشعوب المنطقة، بما في ذلك برامج موجهة للطوائف الدينية مثل الايزيديين، ما ساهم في حماية تراثهم وتعزيز هويتهم.

وشددت الجلسة على أهمية هذه التجارب في التصدي لسياسات الإقصاء الثقافي، ودورها في بناء خطاب إعلامي شامل يسهم في تمكين الأقليات من التعبير عن قضاياهم. كما استعرض المشاركون/ات أدوات فعالة لمراقبة المحتوى الإعلامي لضمان احترامه للتنوع والعدالة الثقافية.

 

الجلسة الثالثة: التمكين والتمثيل السياسي والمشاركة في صنع القرار

ركزت الجلسة الثالثة من المنتدى على موضوع التمكين والتمثيل السياسي للأقليات والشعوب الأصلية في شمال سوريا، مع التأكيد على ضرورة تعزيز مشاركة هذه الشعوب في صناعة القرار السياسي وصياغة دستور يعكس التنوع الثقافي والديني لسوريا.

تناولت النقاشات التحديات التاريخية التي واجهتها الشعوب، خصوصاً الكُرد، الذين عانوا من تهميش ممنهج على المستويين القومي والسياسي في ظل حكومة حزب البعث، وأكد المتحدثون/ات على أهمية تجاوز هذه السياسات الإقصائية لبناء مستقبل أكثر إنصافاً وتوازناً. كما تمّ تسليط الضوء على الدور المحوري للمجتمع المدني، بوصفه حاضنة لتعزيز مشاركة الأقليات والشعوب الأصلية وتمكين الناشطين/ات من لعب دور فاعل في العمليات السياسية وصنع القرار.

برز خلال النقاشات دور المرأة كعنصر أساسي في الحوار وعمليات بناء السلام، حيث تمّ التأكيد على أهمية تمكين النساء من الأقليات وتوسيع نطاق مشاركتهن في المشهد السياسي. فتمثيل المرأة في العمليات السياسية لا يعزز فقط قضايا المساواة بين الجنسين، بل يضفي بعداً أكثر شمولية وفعالية على القرارات المتعلقة بمستقبل الأقليات وسوريا ككل. وشدد المشاركون/ات على أن النساء من الأقليات، بخبراتهن ومعاناتهن الفريدة، يمتلكن القدرة على تقديم رؤى مبتكرة تسهم في تحقيق السلام المستدام وتعزيز التماسك الاجتماعي.

فيما يتعلق بالحلول المستقبلية، أكد المتحدثون/ات على ضرورة بناء أنظمة حكم تشمل جميع المكونات، مع الإشارة إلى الفيدرالية كأحد الخيارات الممكنة لتعزيز حقوق الأقليات والشعوب الأصلية، بما يضمن للمكونات المختلفة إدارة شؤونها بطريقة تعكس احتياجاتها وخصوصياتها. واستعرضت الجلسة أمثلة من تجارب وسياقات أخرى، مثل النموذج الفيدرالي في العراق، كنموذج يمكن الاستفادة منه لضمان العدالة والتنوع في الحالة السورية.

خلصت الجلسة إلى أن ضمان تمثيل عادل ومستدام للأقليات والشعوب الأصلية يتطلب ليس فقط تغييرات سياسية ودستورية، بل أيضاً تحولات مجتمعية تدعم العدالة الاجتماعية والمساواة، مع تمكين الأفراد الأكثر تهميشاً، لا سيما النساء، من لعب دور ريادي في صياغة مستقبل البلاد.

 

التوصيات:

أفضت النقاشات خلال المنتدى إلى جملة من التوصيات التي تهدف إلى ضمان حقوق جميع مكونات الشعب السوري، وخاصة الأقليات والشعوب الأصلية، في إطار عملية شاملة لإعادة بناء الدولة السورية على أسس المساواة والعدالة والتنوع. لتحقيق ذلك، تتطلب التوصيات آليات تنفيذ واضحة ومتكاملة تشمل الإصلاح التشريعي لضمان توافق القوانين الوطنية مع المعايير الدولية، وإصلاح المؤسسات لضمان الشفافية والمساءلة، وتعزيز دور المجتمع المدني كشريك رئيسي في دعم الجهود الوطنية ورصد تنفيذ السياسات. كما تؤكد على أهمية التعاون الدولي لتوفير الدعم التقني والمالي وضمان العدالة الانتقالية وجبر الضرر. أي أنّ نجاح هذه التوصيات يتطلب تكامل جهود الجهات الوطنية والدولية والمجتمع المدني لضمان عملية شاملة ومستدامة.

1. الاعتراف الدستوري بحقوق الأقليات والشعوب الأصلية:

  • تعديل الدستور السوري بحيث ينص بشكل واضح على حقوق الأقليات والشعوب الأصلية، كالكُرد والايزيديين والأرمن والسريان والآشوريين وغيرهم، بما في ذلك حقوقهم القومية والثقافية واللغوية والدينية.
  • إدراج مواد دستورية تُعزز الحماية القانونية لهوية الأقليات والشعوب الأصلية وتمكنهم من إدارة شؤونهم المحلية وفقاً لمبادئ المساواة والتنوع.
  • النص على سمو الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها سوريا على التشريعات الوطنية، لضمان حقوق الشعوب الأصلية والأقليات استناداً إلى المعايير الدولية.

2. ضمان التمثيل السياسي العادل:

  • إعادة النظر في هيكلية اللجنة الدستورية الحالية، وضمان تمثيل حقيقي وعادل للأقليات والشعوب الأصلية في شمال شرق سوريا داخلها، وفي جميع أدوار المفاوضات السياسية حول سوريا.
  • إصدار قوانين تضمن التمثيل العادل لجميع المكونات، بما في ذلك الأقليات والشعوب الأصلية، في الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومواقع صنع القرار على المستويين الوطني والمحلي.
  • اعتماد آليات انتخابية تراعي التنوع العرقي والديني والثقافي، وتضمن مشاركة فعّالة للأقليات في العمليات السياسية.

3. حماية وتطوير الهوية الثقافية واللغوية:

  • ادراج اللغات الكُردية والسريانية والأرمنية ضمن اللغات الرسمية المعترف بها دستورياً في سوريا، ووضع إطار قانوني يُنظم إنشاء المؤسسات التعليمية والمدارس التي تُدرّس بلغات شعوب المنطقة، لضمان حماية التنوع الثقافي واللغوي وتعزيز حقوقهم في ممارسة هويتهم اللغوية والتعليمية بحرية وكرامة.
  • تخصيص تمويل حكومي لدعم الأنشطة الثقافية التي تهدف إلى حماية التراث الثقافي والتاريخي للأقليات والشعوب الأصلية.
  • إصدار تشريعات تحظر أي محاولات لطمس أو تهميش الهوية الثقافية أو اللغوية للأقليات وشعوب المنطقة.

4. تمكين المرأة وضمان المساواة الجندرية:

  • تضمين نصوص قانونية مُلزمة تضمن مشاركة النساء، وخاصة النساء من الأقليات، في جميع المؤسسات السياسية والدستورية بنسبة لا تقل عن 30%.
  • سنّ قوانين تُلزم الجهات الحكومية والمنظمات المحلية بتطوير وتنفيذ برامج تمكين متعددة المستويات للنساء، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

5. الاعتراف القانوني بالديانات المحلية وحقوق الطوائف الدينية:

  • النص في الدستور السوري على الاعتراف بالديانات المحلية، مثل الايزيدية والمسيحية وغيرها، وضمان حق أفرادها في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية.
  • إصدار قانون خاص للأحوال الشخصية للطوائف الدينية، يراعي خصوصياتهم الثقافية والدينية.
  • اتخاذ تدابير لحماية المواقع الدينية من التخريب أو الاستغلال، وضمان تمويل حكومي لترميم وإعادة تأهيل هذه المواقع.

6. تجريم التمييز وحظر العنصرية:

  • إصدار قانون شامل يجرّم التمييز على أساس العرق أو الدين أو اللغة أو الأصل، مع فرض عقوبات مشددة على الأفعال التي تهدف إلى التحريض أو نشر الكراهية ضد الأقليات.
  • إنشاء آلية قانونية لتلقي شكاوى التمييز ضد الأقليات ومتابعتها بشكل عادل وشفاف.

7. تعزيز التوازن في السلطة من خلال نظام حكم لا مركزي:

  • تضمين مبدأ اللامركزية الإدارية والسياسية في الدستور، بما يضمن منح الأقليات والشعوب الأصلية الحق في إدارة شؤونها بشكل مستقل.
  • وضع إطار قانوني يُحدد صلاحيات السلطات المحلية ويضمن توزيعاً عادلاً للموارد بين المناطق المختلفة.

8. دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي:

  • تعزيز التغطية الإعلامية الشاملة: من خلال دعم وسائل الإعلام المحلية لتسليط الضوء على قضايا الأقليات والشعوب الأصلية في سوريا، وتقديم محتوى يعكس التنوع الثقافي والديني في المنطقة، بعيداً عن الصور النمطية.
  • تشجيع الصحافة المجتمعية: دعم إنشاء قنوات إعلامية ومؤسسات صحفية مستقلة يديرها أفراد من الأقليات، تساهم في رفع صوتهم وتمكينهم من التعبير عن قضاياهم ومشاكلهم.
  • مكافحة خطاب الكراهية: إصدار قوانين وتشريعات تمنع نشر خطاب الكراهية والتحريض ضد الأقليات عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مع فرض عقوبات على المخالفين.
  • تعزيز التعليم الإعلامي: توفير برامج تدريبية وورش عمل للمجتمعات المحلية حول استخدام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز المشاركة السياسية والاجتماعية، وتمثيل قضاياهم بشكل مهني.

9. تحقيق العدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا:

  • إنشاء محاكم متخصصة تُعنى بقضايا العدالة الانتقالية، مع إعطاء الأولوية للانتهاكات التي استهدفت الأقليات والشعوب الأصلية.
  • وضع خطة وطنية لتوثيق الجرائم والانتهاكات التي تعرضت لها الأقليات خلال النزاع السوري، وضمان تقديم الجناة للمحاكمة.
  • تخصيص برامج لإعادة تأهيل الضحايا نفسياً واجتماعياً، وتعويضهم مادياً ومعنوياً.

10. جبر الضرر واستعادة الحقوق المسلوبة:

  • إنشاء هيئة مستقلة تعمل على حصر الممتلكات المصادرة أو المدمرة للأقليات، وضمان استعادة حقوقهم من خلال تعويض عادل وإعادة الممتلكات.
  • تطوير آلية قانونية تُمكن الضحايا من تقديم شكاوى بشأن الانتهاكات التي تعرضوا لها واسترداد حقوقهم بطريقة شفافة.

 11. رصد الانتهاكات وضمان الحماية المستقبلية:

  • إنشاء لجنة وطنية مستقلة تُعنى برصد وتوثيق الانتهاكات ضد الأقليات والشعوب الأصلية، وتقديم توصيات مُلزمة للحكومة لضمان عدم تكرارها.
  • التعاون مع المنظمات المحلية والدولية لتقديم الدعم التقني والمادي في عملية الرصد والتوثيق.

12. تعزيز التفاهم والتعايش بين المكونات:

  • إدراج تاريخ وثقافات الأقليات في المناهج الدراسية لضمان تعزيز التفاهم بين مكونات الشعب السوري.
  • إطلاق حملات توعية وطنية تسلط الضوء على معاناة الأقليات وشعوب المنطقة، مثل الإبادة الجماعية للايزيديين، والإبادة الأرمنية، ومجازر السيفو، والهجرة القسرية للمسيحيين.

 13. إنهاء الاحتلال التركي والانتهاكات المترتبة عليه:

  • إصدار قرارات وطنية تدين الانتهاكات في مناطق شمال سوريا الخاضعة للاحتلال التركي، مثل عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض.
  • التعاون مع المنظمات الدولية لضمان العودة الآمنة للمهجرين/ات، وحماية الهوية الثقافية والتركيبة السكانية لتلك المناطق، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، أفراداً وجماعات.

 


[1] تم تغيير اسم الدولة إلى “الجمهورية العربية السورية” في عام 1961، وذلك بعد الانفصال عن الجمهورية العربية المتحدة (الاتحاد بين سوريا ومصر)، الذي استمر من 1958 إلى 1961. بعد الانفصال، قررت الحكومة السورية تغيير اسم الدولة ليعكس الهوية العربية، في سياق تعزيز القومية العربية. التسمية الجديدة كانت جزءاً من توجهات سياسية تهدف إلى تعزيز الهوية العربية على حساب المكونات غير العربية في سوريا، مثل الكُرد، السريان، والآشوريين، مما أسهم في تعزيز التوجهات التعريبية على مستوى الثقافة واللغة والسياسة.

[2]  “جاؤوا ليُدَمِروا: جرائم داعش ضد الايزيديين”. لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن بسوريا. 15 حزيران/يونيو 2016. رقم الوثيقة A/HRC/32/CRP.2

[3] للمزيد ينكنكم/ن قراءة تقريرنا “الايزيديون في سوريا: عقود من الإنكار والتمييز“، رابطة “تآزر” للضحايا ومنظمة سوريون من أجل الحقيقة العدالة، 4 أيلول/سبتمبر 2022.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق اقرا المزيد