مقدمة:
بعنوان “معالجة أزمة المياه في شمال سوريا: سد الثغرات من أجل حلول مستدامة”، نظمت رابطة “تآزر” للضحايا مع شركاء المجتمع المدني، يوم 8 حزيران/يونيو 2023، حدثاً جانبياً على هامش مؤتمر بروكسل السابع لدعم مستقبل سوريا والمنطقة.[1]
شارك في تنظيم الحدث الجانبي كل من: تحالف 11.11.11[2] ومنظمة ايمباكت ومنظمة بيتنا ورابطة “تآزر” للضحايا ومنظمة مالفا للثقافة والفن والتعلم، ومنظمة مداد، وفريق صدى الشبابي، وتمّ تيسيره من قبل ناتاشا هال، كبيرة الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS.
نُظم الحدث بهدف تسليط الضوء على خطورة أزمة المياه في شمال سوريا، واستكشاف تأثيرها متعدد الأوجه على المجتمعات المحلية، وتقديم توصيات للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه والجهات الفاعلة الدولية الأخرى.
وتحدث عز الدين صالح، المدير التنفيذي لـ “تآزر” خلال الحدث حول آثار استخدام المياه كسلاح من قبل أطراف النزاع، على المجتمعات المحلية وعلى النظام البيئي والتنوع البيولوجي في شمال شرق سوريا، بما في ذلك الوصول إلى مياه الشرب والزراعة والاقتصاد والصحة والطاقة.
لاتزال أزمة المياه المتفاقمة أحد الأسباب الرئيسة لانعدام الأمن الغذائي، وتقويض سبل العيش، والهجرة بحثاً عن الموارد، فضلاً عن أنّ شحّ المياه وسوء نوعيتها، لا سيما في مخيمات النازحين العشوائية في الأجزاء الشمالية والشمالية الشرقية من سوريا، يتسبب بحدوث أمراض خطيرة.
يتمثل التحدي الرئيس في أنّ الموارد المائية السورية مُقحمة بشكل كبير في النزاع المسلح الدائر في البلاد، حيث إنها لا تخضع لإدارة موحدة، بل تدار حسب سياسات الجهة التي تسيطر عليها، في حين أنَّ جميع الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية المسيطرة في البلاد متهمة بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالمياه، والتي غالباً ما تكون كارثية على السكان.
وقامت “تآزر” خلال الحدث بتسليط الضوء على:
استخدام مياه محطة علّوك كسلاح خلال جائحة كورونا:
منذ احتلال منطقة رأس العين/سري كانيه من قبل تركيا في تشرين الأول/أكتوبر 2019، كنتيجة للعملية العسكرية التي أطلقت عليها “أنقرة” اسم “نبع السلام”، مُنعت مجتمعات في شمال شرق سوريا، من حقّها في الحصول على مياه كافية ومأمونة، بشكل متعمّد وتمييزي، من قبل الحكومة التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة منها، بسبب سلسلة الانقطاعات المتكررة في ضخ مياه الشرب من محطة “علّوك” للمياه في ريف رأس العين/سري كانيه، ذلك في ذروة انتشار وباء كورونا ((Covid-19.
تعد محطة مياه علوك، التي شهدت خدماتها تكرار الانقطاع، المصدر الوحيد لمياه الشرب لحوالي 800 ألف شخص في شمال شرق سوريا، لا سيما سكان مدينة الحسكة وبلدة تل تمر والأرياف المحيطة بهما، بالإضافة إلى كونها المصدر الرئيسي لنقل المياه بالشاحنات لمخيمات الهول و العريشة/السد و واشو كاني/التوينة) التي تضم عشرات الآلاف من النازحين داخلياً من محافظات ومناطق سوريّة مختلفة، بالإضافة إلى آلاف العراقيين والأجانب، ممن كانوا يعيشون سابقاً في مناطق كان يحكمها تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف باسم “داعش”)، ذلك بحسب اللجنة الدولة للصليب الأحمر.
بتقييدها محطة مياه “علّوك”، مسببةً حرمان 800 ألف مدني من الوصول إلى مياه الشرب، فإن تركيا توظف وسائل يحظرها القانون الدولي الإنساني ويعدها خرقاً لأحكامه. وكما هو موضح في سياقات أخرى، كسياق السودان على سبيل المثال، فأنّ وضع أي قيود على المياه يمكن أن يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وينطبق هذا على أي قيود يتم فرضها لأغراض خفيّة كمهاجمة مجموعات معينة من السكان، والتي يمكن أن تشكل جريمة الإبادة الجماعية، وفق تعبير مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية.[3]
كما ينتهك تقييد المياه أيضاً العديد من حقوق الإنسان الأساسية، مثل الحق في المياه، الذي أعلنته الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان كجزء من القانون الدولي المُلزم في عام 2010 وكذلك الحق في الحياة.[4]
بناء سدود على نهر الخابور:
قامت جماعات “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها تركيا في عام 2021، ببناء ثلاثة سدود ترابية على نهر الخابور، أدت إلى توقف تدفق المياه إلى مناطق قوات سوريا الديمقراطية، الأمر الذي تسبب بأضرار جسيمة على الزراعة والأمن الغذائي.
جاء قطع مجرى مياه نهر الخابور في وقت شهدت فيه المنطقة جفافاً شديداً وارتفاعاً في أسعار الوقود، الأمر الذي منع العديد من المزارعين من تشغيل مضخاتهم، ومع عدم القدرة على الري، تُركت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بوراً (غير مزروعة).
يعد نهر الخابور أكبر روافد نهر الفرات وممر مائي غير موسمي تاريخياً، ويمتد على طول 320 كيلومتراً، ينبع في تركيا ويمر في محافظة الحسكة، التي تعد السلة الغذائية لسوريا، ويصب في نهر الفرات في محافظة دير الزور.
حرم بناء السدود على نهر الخابور آلاف الأسر من الوصول الى المياه، فيما يعد خرقاً واضحاً للقانون الإنساني الدولي، ويمكن أن يكون ذلك إجراءً مدروساً تستخدمه فصائل “الجيش الوطني السوري” بهدف تجويع السكان المدنيين و/أو التسبّب في تهجيرهم قسراً كأسلوب من أساليب الحرب.
احتجاز مياه نهر الفرات:
تقلص السلطات التركية، منذ عدة سنوات، حصة سوريا من مياه نهر الفرات، الذي يعتمد عليه أكثر من خمسة ملايين نسمة في سوريا كمصدر رئيسي للحصول على مياه الشرب، وفق تقديرات الأمم المتحدة، ما ألحق ضرراً بالنظام البيئي المائي والتنوع البيولوجي في شمال شرق سوريا.
كان لانخفاض منسوب مياه الفرات، عواقب وخيمة على المجتمعات المحلية في شمال شرق سوريا، إذ أنّ حد تركيا من صرف المياه من سدودها إلى نهر الفرات، فاقم من تراجع غزارة مياهه، وهذا بدوره تسبّب في زيادة نسبة تلوثها بسبب مياه الصرف الصحي التي تصبّ فيه، والتلوث النفطي في المناطق الغنية بآبار النفط، ما ساهم في تفشي وباء الكوليرا مؤخراً، وإصابة المئات به.
كما أدى نقص مياه الفرات إلى جفاف الأراضي الزراعية ونقص المساحات الخضراء في شمال شرق سوريا، حيث أثر قطعها سلباً على الإنتاج الزراعي، وتحقيق الأمن الغذائي.
كما شكّل انخفاض مستويات المياه تهديداً لإمدادات الطاقة الكهربائية، حيث يحصل حوالي ثلاثة ملايين شخص في شمال شرق سوريا على الكهرباء بشكل شبه حصري من ثلاث محطات لتوليد الطاقة الكهرومائية على نهر الفرات.
وفقاً للوكالات الإنسانية، يواجه أكثر من 12 مليون شخص في سوريا والعراق عواقب وخيمة بسبب نقص الأمطار والمياه في نهر الفرات.
انتهاك للقانون الدولي الإنساني:
سيكون للحصار المفروض على تدفق مياه نهر الخابور من قبل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا عواقب وخيمة على السكان في اتجاه مجرى النهر. مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف المناخية والقيود الأخرى على المياه الناجمة عن إيقاف ضخ مياه محطة علّوك، فضلاً عن التدفق المحدود لمياه نهر الفرات، حيث تعتبر هذه الموارد المائية مصادر لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة.
تعاني آلاف الأسر صعوبة في الوصول إلى المياه بسبب البناء المتعمد للسدود التي توقف تدفق المياه الضرورية للاستخدام المنزلي والزراعي. وبالتالي، فإن الحصار إجراء متطرف أدى إلى حرمان السكان المدنيين من قوتهم.[5]
بموجب القانون الإنساني الدولي، المدرج في البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (حماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية)، تُحظر الهجمات على “الأشياء التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين” (بما في ذلك البنية التحتية للمياه). تمَّ توسيع هذه المخاوف بشكل أكبر في قائمة جنيف للمبادئ المتعلقة بحماية البنية التحتية للمياه بموجب المبدأ 12، وفي القاعدة 10 من المبادئ التوجيهية للجنة الدولية للصليب الأحمر بشأن حماية البيئة في النزاعات المسلحة. توضح كلتا الوثيقتين كيف ستندرج البنية التحتية للمياه “عديمة الفائدة” -في هذه الحالة الحصار المفروض على المياه في نهر- ضمن هذه الفئة. وبالمثل، فإن قواعد برلين لعام 2004 بشأن الموارد المائية لرابطة القانون الدولي بموجب المادة 51 تنص على أنه “لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يهاجم المقاتلون أو يدمرون أو يزيلون أو يجعلون المياه والمنشآت المائية غير صالحة للاستغناء عن صحة السكان المدنيين وبقائهم على قيد الحياة، إذا كان الأمر كذلك. قد يُتوقع من الإجراءات أن تترك السكان المدنيين بمياه غير كافية تؤدي إلى وفاتهم بسبب نقص المياه أو إجبارهم على الهجرة “. يغطي نطاق هذا الحكم بناء منشآت مائية مثل السدود التي تمنع الوصول إلى المياه التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة.
يمكن أن يكون هذا مقياساً محسوباً يستخدمه “الجيش الوطني السوري” بقصد تجويع السكان المدنيين و/أو التسبب في تهجيرهم القسري كأسلوب من أساليب الحرب. وتشكل أساليب الحرب هذه انتهاكاً لقواعد القانون الدولي الإنساني. في هذا الصدد، يحظر القانون الدولي الإنساني العرفي: استخدام تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب (القاعدة 53) ومهاجمة أو تدمير أو إزالة أو جعل الأشياء التي لا غنى عنها لبقاء المدنيين على قيد الحياة (القاعدة 54).
تجدر الإشارة إلى أن تركيا سلطة احتلال في شمال سوريا وتتعاون مع الجيش الوطني السوري. وهذا من شأنه أن يستدعي التزام تركيا بضمان احترام القانون الإنساني الدولي. وبالتالي، يجب على تركيا أن تمارس نفوذها، بالقدر الممكن، لوقف مثل هذه الانتهاكات من قبل “الجيش الوطني السوري” وأي جماعة مسلحة تتعاون معها.
علاوةً على ذلك، تثير هذه القضية أيضًا قضايا تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في الماء والحق في الغذاء والحق في الحياة. لحصار نهر الخابور آثار سلبية واسعة النطاق على حقوق الإنسان للسكان المدنيين في شمال شرق سوريا.
التوصيات:
- احترام الالتزامات القانونية الدولية بشأن حماية البنية التحتية المدنية: دعوة الحكومة التركية وأطراف النزاع الأخرى إلى الالتزام بواجباتها تجاه حقوق الإنسان واحترام حق جميع السوريين/ات في الوصول إلى مياه صالحة للشرب والاستخدام، وتحييد الموارد المائية من التجاذبات السياسية.
- تعزيز الرصد والرقابة على أرض الواقع حول الانتهاكات المتعلقة بالحق في المياه، والسعي لتحقيق العدالة للضحايا: يجب على المنظمات الدولية والجهات المانحة دعم جهود توثيق وأرشفة انتهاكات الحقوق المائية، أي الجهود التي تقوم بها مجموعات الضحايا ومنظمات المجتمع المدني، كما يجب على مجلس حقوق الإنسان ولجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، إدراج انسداد الأنهار في رصد الحالة وإدراج انتهاكات الوصول إلى المياه بشكل منهجي في تقاريرهما وإثارة ذلك مع السلطات المختصة.
- وضع استراتيجية للمنطقة بشأن تحديات المياه العابرة للحدود: يجب على الأمم المتحدة اتخاذ التدابير اللازمة لضمان حق المدنيين في شمال شرق سوريا في الحصول على مياه كافية ومأمونة، ومواجهة تحديات النزاع التي تؤثر على المياه السطحية والجوفية ونمو التربة والغطاء النباتي.
- ضمان المشاركة الشاملة في إدارة الموارد المائية، والوصول إلى المعلومات، وتدابير الشفافية: يجب إنشاء منصات لإشراك أصحاب المصلحة الرئيسيين، بما في ذلك المجتمعات المحلية وهيئات المجتمع المدني، في المشاورات أو السياسات ذات الصلة بإدارة موارد المياه، بما في ذلك العابرة للحدود، والعمل في الوقت نفسه على زيادة شفافيتها في الإبلاغ عن القضايا المتعلقة بإدارة الموارد المائية.
- دعم مجموعات الضحايا ومناصرة قضيتهم: يجب دعم جهود المناصرة التي تقودها مجموعات الضحايا للضغط على أطراف النزاع، من الدول والجماعات المسلحة غير الحكومية، وحثهم على الالتزام بواجباتهم تجاه حقوق الإنسان واحترام حق جميع السوريين/ات في الوصول إلى مياه صالحة للشرب والاستخدام، وتحييد الموارد المائية من التجاذبات السياسية.
- دعم بناء السلام البيئي في مجال إدارة الموارد المائية: عبر استكشاف فرص توفيق المجتمعات المتعادية للوصول إلى حلول سلمية مشتركة لمشكلات إدارة الموارد المائية، ولا سيما العابرة للحدود، على أن يكون ذلك بدعم من الأمم المتحدة أو من منظمات دولية أخرى. ومن الاقتراحات الناجعة في هذا الصدد؛ استذكار أفضل الممارسات المتخذة سابقاً والمبادرات (الدبلوماسية) الناجحة في سياقات مشابهة.
——————
[1] ينظم الاتحاد الأوروبي مؤتمر بروكسل السابع حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” يومي 14 و15 حزيران/يونيو 2023 في بروكسل. ويُعقد الاجتماع الوزاري في 15 حزيران/يونيو. كما يُخصص اليوم الذي يسبقه (يوم الحوار) لحوار يضم المجتمع المدني من سوريا وخارجها، وصانعي القرار، والشركاء التنفيذيين ويتناول سوريا والمنطقة، فضلاً عن التحديات الإنسانية وتلك المرتبطة بالقدرة على الصمود التي تواجهها سوريا والمنطقة. ويتمثل الهدف الرئيسي لمؤتمرات بروكسل في ضمان استمرار الدعم للشعب السوري، سواء في سوريا أو في المنطقة الأوسع، من خلال تعبئة المجتمع الدولي لدعم حل سياسي شامل وموثوق للنزاع السوري يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وكما في مؤتمرات السنوات السابقة، سوف يتناول مؤتمر بروكسل السابع أيضاً القضايا الإنسانية الحرجة والمسائل الأساسية المرتبطة بالقدرة على الصمود التي تؤثر على السوريين في سوريا والدول المجاورة، وتلك التي تؤثر على المجتمعات التي تستضيف اللاجئين السوريين في المنطقة.
[2] تحالف 11.11.11 هو تحالف للمنظمات غير الحكومية والنقابات والحركات ومجموعات التضامن المختلفة في فلاندرز (الجزء الناطق بالهولندية من بلجيكا). وتجمع بين جهود حوالي 60 منظمة وأكثر من 20000 متطوع يعملون معاً لإحداث التغيير، كجزء من شبكة عالمية توحد الجهود لتحقيق هدف واحد مشترك هو: “عالم عادل بدون استغلال، لأننا معاً أقوى من وحدنا”.
[3] قضية المدعي العام ضد عمر حسن أحمد البشير؛ طلب المدعي العام إصدار قرار بعدم تعاون جمهورية السودان في قضية المدعي العام ضد عمر حسن أحمد البشير عملأً بالفقرة (7) من المادة 87 من نظام روما الأساسي، بتاريخ 19 كانون الأول/ديسمبر 2014.
[4] حقوق الإنسان في المياه والصرف الصحي؛ الأمم المتحدة.
[5] للمزيد اقرأ تقرير: قتل الخابور: كيف قطعت الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا شريان الحياة المائي في شمال شرق سوريا، منظمة PAX، بتاريخ 03 تشرين الثاني/نوفمبر 2021. (آخر زيارة للرابط بتاريخ 12 حزيران/يونيو 2023).