في مساء يوم 11 حزيران/يونيو 2019، كانت “رنيم خطاب” ذات العشرين ربيعاً تجلس مع طفلها في مخيم “كفر لوسين” عندما قامت قوات حرس الحدود التركية بإطلاق النار مباشرةً على المساكن البدائية التي يحتمي بها نازحون سوريون. أحد الشهود أكد لـ “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” أنَّ هذه ليست المرة الأولى التي تطلق بها هذه القوات النار، فهي عادةً ما تطلق الرصاص في الهواء من نقاط تمركزها، إلا أنه لم يسبق لها أن استهدفت المخيم. أصيبت رنيم جراء هذه النيران برصاصة في رقبتها سرعان ما أدت إلى وفاتها بينما أصيب طفلها بجروحٍ خطيرة.
“رنيم” وطفلها هم فقط اثنان من بين عشرات المدنيين العُزَّل الذين تعرضوا للقتل أو أصيبوا بجروح على يد عناصر من الجيش التركي وخاصة من قوات حرس الحدود (الجندرمة) في الوقت الذي لم يشكل فيه هؤلاء المدنيون أي تهديد للقوات التركية. وفي هذا الصدد، قدّمت كل من “منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، و “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، و “منظمة بيل – الأمواج المدنية”، و “رابطة تآزر” عشرات الأمثلة عن حوادث انطوت على الاستخدام المفرط للقوة المميتة بشكل غير مبرر أو ضروري من قبل القوات التركية، وذلك لتسليط الضوء على هذا النمط من السلوك الذي تتبعه تركيا والذي يشكل انتهاكاً واضحاً لحق السوريين في الحياة على الأراضي السورية الواقعة تحت سيطرتها وفي المناطق الحدودية بين البلدين.
“الإجراءات الخاصة ضرورية لتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان، حيث أن الصلاحيات التي يتمتع بها الخبراء المستقلون الذين يتلقون تقارير المنظمات غير الحكومية لا تقتصر على قدرتهم على التحقيق، بل وعلى التعامل مع البلدان التي تم الإبلاغ عن انتهاكاتها، في أفضل الحالات، يمكن أن يؤدي هذا إلى فتح حوار والمساهمة في التغيير،” وفقاً لسيسيليا بيشميز، التي عملت على هذه التقارير.
يُقتل الناس هناك على الحدود وهم يمارسون حياتهم اليومية، فبنفس الطريقة التي قتلت فيها رنيم، قتل الطفل يزن باكير في شباط/فبراير الماضي على يد حرس الحدود التركي بينما كان يلهو في مزرعة عائلته الكائنة في محافظة إدلب. يقول جدُّ يزن الذي كان برفقته أثناء الحادثة:
“إنَّ إطلاق النار كان متعمّداً، لقد اعتزم الجنود الأتراك إطلاق النار علينا. كان جنود الحدود عنيفين ومتهورين”.
وعلاوة على ذلك، فإنَّ الجيش التركي يستمر باستهداف المدنيين الذين يحاولون عبور الحدود التركية. وعلى الرغم من ادعاء تركيا التزامها بسياسة الباب المفتوح، فهي تحرم السكان في المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية من اللجوء إلى أراضيها عبر الطرق الرسمية، تاركة إياهم أمام خيار عبور الحدود بشكل غير شرعي من خلال طرق محفوفة بالمخاطر. وفي هذه الحالة يضطر طالبو اللجوء إلى الاستعانة بالمهربين الذين يسهلون عمليات التسلل الفردية أو الجماعية عبر الحدود إلى الأراضي التركية عبر الأنفاق أو الطرق الجبلية الوعرة مقابل مبالغ مالية باهظة.
وعلى الرغم من الإجراءات المتشددة التي تتبعها تركيا لردع المتسللين عبر حدودها، يواصل المدنيون السوريون محاولاتهم في الوصول إلى الأراضي التركية عبر الطرق غير الشرعية أملاً في إيجاد حياة أفضل، وقد تعرض الكثير منهم خلال هذه المحاولات إلى الضرب والتعذيب والقتل. يقول “زاهر. س”. أنَّ أخاه البالغ من العمر 21 عاماً حاول عبور الحدود نحو تركيا مع أبناء عمومته في عام 2018، بشكل غير شرعي أملاً في إيجاد فرص عمل هناك، لكنَّ حرس الحدود التركي كان لهم بالمرصاد حيث ألقى القبض عليهم وانهال عليهم بالضرب والتعذيب ومن ثمَّ قام برميهم على الجانب الآخر من الحدود. وإلى أن وجدتهم عائلته كان شقيقه قد فارق الحياة مع واحد من أبناء عمومته.
في الواقع، نحن لم نجد أي أساس قانوني أو هدف شرعي لاستخدام القوة المفرطة من قبل القوات التركية في الحوادث التي قمنا بالتحقيق فيها، والتي لم تنطو على أي احترام لمبدأي الضرورة والتناسب، فمن الجليّ أنَّ استخدام القوة فيها لم يكن ضرورياً لتحقيق هدف مشروع مفترض، بل على خلاف ذلك، إذ يبدو أنَّ الضحايا قد تمَّ حرمانهم من الحياة بشكل تعسّفي ما يشكل انتهاكاً واضحاً لقوانين حقوق الإنسان المحلية السورية والتركية والدولية. وعلاوةً على ذلك، لم يتم التحقيق رسمياً في أي من الوقائع التي ذكرناها آنفاً من قبل السلطات المسؤولة، ولا يوجد سرد رسمي مفصَّل لأي منها.
على ضوء هذه الحوادث، نود نحن المنظمات الأربع القائمين على هذه الدعوة تقديم عدد من التوصيات إلى حضرة المقرر الخاص للأمم المتحدة:
- أولاً، نحث حضرة المقرر الخاص على الاستمرار في دراسة حالات الإعدام خارج نطاق القضاء والإعدام بإجراءات موجزة والإعدام التعسفي في جميع الظروف ولأي سبب كان، وتقديم تقرير سنوي يتضمن ما يتم التوصل إليه من استنتاجات مشفوعة بتوصيات إلى مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة.
- ثانياً، نوصي حضرة المقرر بلفت انتباه المجلس إلى الحالات التي تنفذ فيها أشكال الإعدامات الخطيرة المذكورة أعلاه والتي تستدعي النظر فيها بشكل فوري وأيضاً إلى تلك التي من الممكن أن يحول اتخاذ إجراءات مبكرة بشأنها دون حدوثها.
- نحث حضرة المقرر الخاص على الاستجابة بشكل فعّال للمعلومات التي تعرض عليه، ولا سيما تلك التي تتعلق بالإعدامات المذكورة سواء كانت وشيكة التنفيذ أو التي يتم التهديد بتنفيذها أو تلك التي نفذت فعلاً.
- رابعاً، نحث حضرة المقرر الخاص على تعزيز حواره مع الحكومات والعمل على تنفيذ التوصيات الواردة في تقارير نتائج زياراته لبلدان معينة.
- خامساً، نحث حضرة المقرر الخاص على مواصلة رصده لتنفيذ المعايير الدولية القائمة حالياً بشأن الضمانات والقيود المتعلقة بفرض عقوبة الإعدام، مع مراعاة التعليقات التي أبدتها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تفسيرها للمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك البروتوكول الاختياري الثاني الملحق به.