الرئيسية الأخبار حملات تحريض علنية ضدّ وكيلة النيابة في محكمة عفرين بسبب دفاعها عن حقوق ضحايا كُرد

حملات تحريض علنية ضدّ وكيلة النيابة في محكمة عفرين بسبب دفاعها عن حقوق ضحايا كُرد

تعكس قضية "نوروز حسو" غياب الحماية القانونية للمدافعين/ات عن حقوق الإنسان في المناطق التي تحتلها تركيا، والحاجة الملحّة إلى اتخاذ تدابير لحماية وتعزيز حقوق الإنسان وإنصاف الضحايا وضمان سلامة المسؤولين عن تطبيق أحكام القانون في مناطق النزاع

بواسطة editor
211 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

تواجه وكيلة النيابة في محكمة عفرين، نوروز حسو، خطراً على حياتها وعائلتها بسبب تصاعد التهديدات وحملات التحريض العلنية ضدها، مؤخراً، دون أنّ تُوّفر لها أي حماية قانونية، ذلك عقب إصدار المحكمة قرارات تقتضي إنهاء الاستيلاء على منازل عائلات كُردية وإعادتها إلى أصحابها.

وكانت محكمة عفرين التابعة للحكومة السورية المؤقتة/المُعارضة، التي تأسست عقب احتلال المدينة من قبل تركيا في عام 2018، قد بتّت في أكثر من 150 دعوى في قضايا “الغصب العقاري” وأصدرت أوامر بإخلاء تلك المنازل التي تعود ملكيتها لضحايا كُرد، لكن تحدّيات جمّة اعترضت تنفيذ قرارات المحكمة، نتيجة تدخل فصائل من “الجيش الوطني السوري” ورفضها إعادة الحقوق لأصحابها.

وتعمل “حسو” في محكمة عفرين كـ “وكيلة النيابة العامة” وليس بصفة “قاضية” كما أُشيع في حملات التهديد والتحريض العلني ضدها من قبل المعترضين على قرارات المحكمة من أفراد عائلات مقاتلي الفصائل المُسلحة ونازحون من مناطق سوريّة أخرى يشغلون منازل مُستولى عليها بدعم وحماية من تلك الفصائل، ويرفضون إعادتها لأصحابها الكُرد.

تشير المعلومات التي جمعتها “تآزر” إلى أنّ حملات التهديد والتحريض التي نُظمت ضد المدافعة عن حقوق الإنسان “نوروز حسو” تحملُ صبغةً طائفية، فهي واحدة من بين عشرات موظفي/ات محكمة عفرين، وإصدار الأحكام القضائية ليس جزءاً من مهامها، لكنها استُهدفت من قبل الرافضين لقرارات المحكمة فقط لكونها كُردية، وكذلك الضحايا الذين/اللواتي قضت المحكمة بإعادة حقوقهم/ن إليهم/ن.

تعكس قضية “نوروز حسو” غياب الحماية القانونية للمدافعين/ات عن حقوق الإنسان في المناطق التي تحتلها تركيا، والتي تتسم بانتشار فوضى السلاح وانعدام الأمان، وتفاقم انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها فصائل “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها وتموّلها تركيا، لذا تبرزُ حاجة ملحّة إلى اتخاذ تدابير لحماية وتعزيز حقوق الإنسان وإنصاف الضحايا وضمان سلامة المسؤولين عن تطبيق أحكام القانون في مناطق النزاع.

 

تهديدات مستمرّة:

منذ بداية عام 2024 ثمة حملة تحريض مستمرة ضد “نوروز حسو” وكيلة النيابة العامة في محكمة عفرين، وقد تصاعدت حدتها بشكل واضح منذ 19 أيار/مايو، عبر اعتصامات ومظاهرات تُطالب بعزلها وتهديدات بمحاسبتها، وترافق ذلك مع مخاوف من أن تصل التهديدات إلى حد التصفية الجسدية.

وانتشر فيديو مدته 20 ثانية، في النصف الثاني من أيار/مايو، يُظهر رجلاً يشكر القوات المشتركة، ويتحدّث معه أحد عناصر هذه القوات من خلف الكاميرا ويؤكّد أنها أعادته وعائلته إلى المنزل وأن لا أحداً يستطيع إخراجهم، ومطالباً الرجل بمراجعتهم في حال تعرّض له أحد. تحققت “تآزر” أنّ المنزل المذكور تعود ملكيته لامرأة كُردية، وأنّ محكمة عفرين قد أصدرت أمراً بإخلائه وإعادته إلى مالكته، وهو ما عملت عليه قوات الشرطة المدنية، إلا أن القوة المشتركة لفرقتي الحمزة (الحمزات) والسلطان سليمان شاه (العمشات) تدخلت لترهيب وإخراج مالكة المنزل، وإعادة الرجل الظاهر في الفيديو، والذي يشغل المنزل مع عائلته منذ عام 2018 بدعم من الفصائل المسلحة.

وفي 28 أيار/مايو، نشر “تلفزيون شدا” فيديو يُظهر مقابلة مع شخص يُدعى الشيخ أبو خالد العكيدي، أمين سر مجلس العشائر في ريف دمشق، يقول وقد تجمع حوله أشخاص آخرون، إنهم خرجوا في مظاهرة رفضاً لقرارات محكمة عفرين، ويدعو إلى إقالة “نوروز حسو” وطردها من المنطقة، كما يتهمها بالعمالة لحزب العمال الكُردستاني PKK، وهي التهمة الأكثر شيوعاً التي تُنسب للمدنيين الكُرد الذين يتم اعتقالهم وتعذيبهم على يد فصائل “الجيش الوطني السوري” في منطقة عفرين.

لقطة شاشة من الفيديو الذي نشره “تلفزيون شدا” حول المظاهرة التي شهدتها مدينة عفرين بتاريخ 28 أيار/مايو 2024.

كما نشرت قناة تيليجرام تُدعى كابوس جرابلس (يُتابعها أكثر من 72 ألف متابع) أكثر من عشر منشورات تحمل تهديدات لـ “نوروز حسو” وتطلق عليها شتائم وألفاظ ذات طبيعة جنسية، وادعاءات بالعمالة لحزب العمال الكردستاني، كما رافقت تلك المنشورات التي تمّ مشاهدة كل منها بشكل وسطي من قبل 30 ألف متابع، تعليقات تدعو إلى العنف الجسدي والجنسي والتصفية.[1]

كما تداول نازحون ومهجرون سوريون في عفرين مقاطع صوتية عبر مجموعات تضم مئات الأعضاء على تطبيق “واتس آب” تدعو إلى الحشد والتظاهر ضد “نوروز حسو” والمطالبة بإقالتها، واتهامها بأنها تعادي المهجرين في المنطقة.

وشهد اعتصام نُظم ضد “نوروز حسو” في أحد جوامع مدينة عفرين، بتاريخ 19 أيار/مايو، من قبل عشرات الأشخاص أطلقوا على أنفسهم “مهجرو الثورة”، لافتة تحمل عبارة (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة – نطالب بعزل القاضية العنصرية نيروز)، في إشارة إلى التقليل من شأن عمل المرأة ولا سيّما في الفضاء العام، كما أنّ فيها إشارة إلى أنّ “حسّو” عنصرية، ذلك أنها دافعت –خلال أداء واجبها– عن حقوق ضحايا كُرد من أهالي عفرين ضدّ النازحين والمهجرين من مناطق سورية أخرى.

جانب من اعتصام نُظم ضد “نوروز حسو” في أحد جوامع مدينة عفرين. المصدر: وسائل التواصل الاجتماعي.

يشير تحليل المعلومات التي جمعتها “تآزر” حول حملات التحريض والتهديد ضد “نوروز حسو” إلى أنّ المشاركين في هذه الحملات من عائلات مقاتلي “الجيش الوطني” وبعض النازحين والمهجرين من مناطق سورية أخرى إلى عفرين، يرون أن من حقهم الاستمرار في غصب منازل وعقارات أهالي عفرين الكُرد وشغلها لصالحهم، ولا يحق لأي أحد إخراجهم منها وإعادتها إلى أصحابها، ويقول هؤلاء الذين يعرفون أنفسهم كـ “مُهجرو الثورة” في رسالة موقعة بتاريخ 19 أيار/مايو، تُطالب بإقالة “نوروز حسو” ومحاسبتها، إنهم لم يأتوا إلى عفرين للسياحة، وإنما جاؤوا بعد أنّ رفضوا المصالحة مع النظام المجرم، وتركوا مدنهم وبيوتهم وأراضيهم من أجل قضية عادلة وهي قضية حرية الشعب السوري بأكمله. لذا يرون أنه يحق لهم الاستيلاء على منازل وممتلكات ضحايا آخرين، أي كُرد عفرين في هذه الحالة.

صورة من رسالة موّقعة باسم “مُهجرو الثورة في عفرين” تُطالب بإقالة “نوروز حسو” ومحاسبتها. مصدر الصورة: وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي 30 أيار/مايو 2024 اجتمعت المحكمة بوجهاء وشيوخ عشائر في عفرين، بناءً على طلبهم، حيث طالب الوفد المكوّن من أكثر من عشر أشخاص بعزل “نوروز حسو” وكيلة النيابة في المحكمة بشكل أساسي، وكذلك إبطال كافة قرارات إخلاء المنازل الصادرة عن المحكمة، وهددوا باستمرار المظاهرات والاعتصامات، في حال عدم تلبية مطالبهم. لكن المحكمة لم ترد على تلك المطالب ولم تصدر أي قرار بشأنها حتى الآن.

 

غياب الحماية القانونية:

تحدثت “تآزر” إلى شخصين مقرّبيّن من عائلة “نوروز حسّو” وآخرون يعملون معها في محكمة عفرين، وعلمت إنّها بقيت على رأس عملها ولم تتغيّب عن أداء مهامها في المحكمة، إلا أنّ الخوف ينتابها هي وعائلتها إثر التهديدات وحملات التحريض المستمرّة ضدّها.

تعيشُ نوروز حسّو مع زوجها وولديها الصغيريّن في مدينة عفرين، وقد خلقت حملات التهديد والتحريض العلنية ضدّها خوفاً كبيراً لديها ولدى عائلتها، لا سيما في ظل انتشار فوضى السلاح وانعدام الأمان في المناطق التي تحتلها تركيا، والانتهاكات اليومية التي ترتكبها فصائل “الجيش الوطني السوري” بحق المدنيين، مع غياب المساءلة واستمرار الإفلات من العقاب.

وبحسب شاهد مقرّب من عائلة “حسو” فإنّ هناك محاولات لمحاربة “نوروز” والإيقاع بها قانونياً، حيث تبحث فصائل في “الجيش الوطني” عن ذريعة لاعتقالها، عبر نبش ملفّاتها السابقة والحالية، بحثاً عن أي معلومة تشير إلى تعاملها مع الإدارة الذاتية، وهي أحد التُهم الأكثر شيوعاً ضدّ الكُرد في المناطق التي تحتلها تركيا وتُديرها فصائل المعارضة.

“لم تنقطع نوروز عن عملها، لكن بسبب الخوف نامت مع عائلتها عدة مرّات خارج المنزل، كما أنّ ثمة ما يُدبّر في الخفاء ضدّها، إذ علمنا أنّ جهات أمنية تنبش في ملفّات نوروز بحثاً عن دليل يُدينها ويُثبت تورّطها في التعامل مع الإدارة الذاتية سابقاً أو حاليا، ذلك كذريعة لاعتقالها والانتقام منها”.

وتُعدّ تهمة التعامل مع الإدارة الذاتية أبرز التهم المزعومة التي يتم توجيهها للمواطنين الكُرد في عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض، وقد وثّقت تآزر في مئات الإفادات التي جمعتها من ضحايا وناجين/ات من مختلف الانتهاكات، أنّه يتم تلفيق هذه التهمة للمعتقلين لدى قوات “الجيش الوطني” لإرغام عائلاتهم على دفع فدى مالية مقابل الإفراج عنهم، وإرغامهم على مغادرة المنطقة وثنيهم عن العودة إليها وإدارة ممتلكاتهم.

 

انتهاكات حقوق الملكية في عفرين:

تُعدّ انتهاكات حقوق الملكية من القضايا الملحّة في منطقة “عفرين” الكُردية في سوريا، والتي تحتلها تركيا وتُديرها رفقة فصائل “الجيش الوطني السوري” منذ عام 2018، حيث تشهد أنماط متكررة ومستمرة من عمليات الاستيلاء على ممتلكات المدنيين الكُرد، ومن ثم شغل تلك الممتلكات، أما بعائلات المقاتلين أو عبر استخدامها كمقرات عسكرية أو مؤسّسات إدارية، أو من خلال منحها لنازحين سوريين آخرين، أما دون مقابل أو لقاء إيجارات شهرية تأُخذ لصالح الفصائل.

ولم تنفع الشكاوى التي لطالما قدمها الضحايا إلى الهيئات العسكرية التابعة لتلك القوات، أو المجالس المحلية والمؤسسات التابعة لـلحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف الوطني السوري، من أجل استعادة ممتلكاتهم، بدلاً عن ذلك، قام عناصر “الجيش الوطني” بتهديد الكثيرين من الضحايا أو ابتزازهم، كما اختطفت آخرين وأجبرتهم على دفع فدية لقاء إطلاق سراحهم.

وسبق أنّ نشرت “تآزر” تقريراً بعنوان: “أين بيتي: انتهاكات حقوق الملكية في شمال سوريا تُكرّس التغيير الديمغرافي“، بتاريخ 19 كانون الثاني/يناير 2023، يوثق أنماط متكررة ومنهجية من عمليات النهب والاستيلاء على ممتلكات المدنيين في منطقتي “نبع السلام” و”غصن الزيتون”، كسلب الممتلكات العقارية والاستيلاء عليها بدون وجه حق، أو بيعها أو حرقها وتدميرها، وطرد سكانها الأصليين، ودفعهم الى مغادرة المنطقة.

 

حق الملكية وفق القوانين الدولية:

يعتبر حق الملكية من حقوق الإنسان الأساسية التي نصت عليها العهود والمواثيق الدولية، حيث أكدت المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق الإنسان في التملّك، وحظرت حرمان أي شخص من ملكه تعسفاً، ويرتبط هذا الحق ارتباطاً وثيقاً بحق اللاجئ والنازح في العودة الطوعية والآمنة إلى مكان سكنه الأصلي.

وقد تمَّ تأكيد هذا الحق في المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، التي تنصّ على ضرورة ضمان حق كل إنسان، وبدون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الاثني، في التمتع بحق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين. علماً أنّ كلاً من سوريا وتركيا هما دولتان موقعتان على هذه الاتفاقية الملزمة لهما.

كما أكدت المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي التي تمّ اعتمادها من قبل الأمم المتحدة، على ضرورة توفير الحماية، في جميع الظروف، لأموال وممتلكات المشردين داخلياً، وبخاصة ضد النهب والاعتداءات المباشرة والعشوائية وأعمال العنف الأخرى، أو استخدامها كدرع لعمليات أو أهداف عسكرية، أو أن تكون محل انتقام، أو تدميرها أو الاستيلاء عليها، كشكل من اشكال العقوبة الجماعية، وضرورة توفير الحماية للأموال والممتلكات التي يتركها المشردون داخلياً وراءهم، وذلك من التدمير والاستيلاء التعسفي وغير القانوني، وأيضاً من شغلها أو استخدامها.[2]

يحظر القانون الدولي على قوة الاحتلال –كتركيا في أجزاء من شمال سوريا– الاستيلاء على الأملاك الخاصة في الأراضي المحتلة إلا في حالة الضرورة العسكرية الملحة، والتي يجب أن يتبعها تعويض المتضرر من هذا الإجراء. وبغض النظر عن واقع الاحتلال، يعتبر تدمير ممتلكات الخصم والاستيلاء عليها من قبل أحد أطراف النزاع المسلح انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني العرفي، وقد يرقى إلى جريمة حرب سواء كان النزاع المسلح دولياً أو غير دولي.

 


[1] تحتفظ “تآزر” بنسخ من المنشورات في قاعدة البيانات الخاصة بها، لكنها تتحفظ على نشرها لأنها تحتوي عبارات مسيئة وألفاظ بذيئة بحق “نوروز حسو”.

[2] المبدأ 21 من المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي، التي تم اعتمادها في النمسا عام 1998، والمقر في الجلسة الرابعة والخمسون للجنة حقوق الإنسان. (آخر زيارة للرابط: 26 كانون الأول/ديسمبر 2022).

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق اقرا المزيد