بمرور هذا اليوم، 29 حزيران 2024، يكون قد مضى عام كامل على تبني الجمعية العامة للأمم المُتحدة القرار رقم A/77/L.79 بتاريخ 29 حزيران/ يونيو 2023 القاضي بإنشاء المؤسسة المُستقلة المعنية بشؤون المفقودين في سورية IIMP؛ القرار الذي جاء مُلبيًا لنضالات ومطالب مُحقة ومُتواصلة ودؤوبة بذلتها أُسر وروابط الضحايا والناجين/ات وشركاء المجتمع المدني في سوريا طوال سنوات.
أملتْ روابط أُسر الضحايا والناجين/ات من المؤسسة أن تُنهي سنوات من قلق وانتظار مُضنيين، بتوفيرها إجابات عن مصائر المفقودين/ات وأماكن وجودهم/ن، وأن تَحدَّ من إنكار حقوق الأحبة المُغيبين/ات وحقوق أُسرهم/ن واحتياجها إلى المعرفة، وأن تحول دون أن يَخبر جيل كامل من السوريين/ات آلامًا عاناها هذا الجيل وسابقه طوال عقود. كما أملتْ أن تعكس سرعةُ بناء هذه المؤسسة ومرونتها وكفاءتها ومردودها حجمَ وإلحاح الكارثة الإنسانية في سورية طوال السنوات الثلاث عشرة المُنقضية.
إلّا أن مسار بناء الهيكل الإداري للمؤسسة، بعد عام من صدور القرار، يبدو أبطأ كثيرًا مما تستلزمه وتفرضه طبيعة القضية وحجمها ومتطلباتها، رغم ما يُبديه فريق إطلاق المؤسسة من مثابرة وجدية ومرونة، جديرة بالثناء، في التواصل مع أُسر المفقودين/ات على مدى الأشهر التي تلت القرار. ويبدو بوجه خاص، أن تسمية رئيس للمؤسسة، وبه يرتبط شغل عدد من الشواغر الهامة الأخرى في بُنية المؤسسة، هي العامل الأساس في تأخير اكتمال هيئة المؤسسة وانطلاق عملها؛ التسمية التي لم تحدث حتى تاريخه دون سبب مُعلن وواضح.
لذا نجد لزامًا علينا في ميثاق الحقيقة والعدالة أن نُذكِّر كافة المعنيين بشأن المؤسسة, وبوجه خاص هيئات الأمم المُتحدة ذات الصلة والدول الراعية لقرار إنشاء المؤسسة، ونُذكِّركم جميعًا مرة أخرى، إلى أن زمن الأُسر والمفقودين يُعدُ، بخلاف الساعات والأيام، بأرواح تُزهق وأجساد يُنهكها التعذيب والإهمال المُتعمَّد وأعمار يفنيها اليأس والترقب وآمال يُحطمها التنكر والتعالي. وأمامكم نُعبِّر عن خشيتنا من أن تنظروا في مسألة تسمية رئيس المؤسسة وغيره من الشواغر ذات الصلة عن ضغط من أو استجابة لمجريات سياسية ظرفية في سورية وحولها, تعلمون جيدًا أنها لن توضح مصيرًا ولن تُحرر مُعتقلًا ولن تُشفي سؤالًا ولن تؤمِّن عائدًا.
نهيب بكم جميعًا الاحتكام إلى نص وروح القرار A/77/L.79، والنظر لبرهة إلى دور المؤسسة المأمول من منظور الضحايا وأُسرهم كي تُدركوا أن إخضاع بنية وقيادة هذه المؤسسة إلى تكيفات سياسية قصيرة الأمد إنما يهدر وعود المؤسسة ويقوض المنظور الذي بُني عليه قرار إنشائها.
نُشير في هذا السياق أيضًا إلى أن ميثاق الحقيقة والعدالة كان قد أرسل ورقة إلى الأمين العام للأمم المتحدة والمفوض السامي لحقوق الإنسان كَثَفَ فيها المواصفات المأمولة في رئيس المؤسسة من وجهة نظر أُسر المفقودين واتساقًا مع منطق القرار، الذي يلحظ دورًا هيكليًا لهذه الأُسر في عمل المؤسسة. فإلى أهمية أن يحتل الرئيس مرتبة رفيعة في هيكل الأمم المُتحدة، لحظت الورقة ضرورة أن يجمع الرئيس العتيد خبرة العمل على ملفات المفقودين إلى التفهم العميق لمنطق وأولويات واحتياجات إلى عكس منظور أُسر المفقودين في البحث عن إجابات إلى خبرة المرور على مفردات الانتقال السياسي والعدالة الانتقالية وصولًا إلى الخبرة السياسية والخبرة الدبلوماسية اللازمتين لهذا النوع من المسؤولية.
وبما أننا نحيا على الأمل، فإننا نأمل مرة أخرى ألّا يُهدر المزيد من الوقت وألّا تنقضي الأشهر المتبقية من هذا العام دون رؤية المؤسسة تامة البناء وجهوزية العمل.